للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين بالعود إلى دمشق، وخرجنا إلى الفوار، وأسد الدين هناك في العسكر الجرار، وأطلق لكل فارس عشرين دينارا، ورحلوا على قصد مصر.

وخيم نور الدين بمن أقام معه على رأس الماء، فجاء البشير برحيل الفرنج عن القاهرة عند وصول خبر العسكر، فدخلوا مصر في سابع ربيع الآخر، وتودد شاور إلى أسد الدين وتردد، وتجدد بينهما من الود ما تأكد، ثم ساق العماد نحو ما تقدم، وأنه قتل في سابع عشر ربيع الآخر.

ثم قال: ولما فرغ العسكر بمصر بعد ثلاثة أيام من التعزية بأسد الدين اختلفت آراؤهم، واختلطت أهواؤهم، وكاد الشمل لا ينتظم، فاجتمع الأمراء النورية على كلمة واحدة، وأيد متساعدة، وعقدوا لصلاح الدين الرأي والراية، وأخلصوا له الولاء والولاية، وقالوا: هذا مقام عمه، ونحن بحكمه. وألزموا صاحب القصر بتوليته، ونادت السعادة بتلبيته، وشرع في ترتيب الملك وتربيته، وسلط الجود على الموجود، وبسط الوفور للوفود.

قال القاضي بهاء الدين بن شداد (١): كانت الوصية إلى صلاح الدين من عمه، ولما فوض إليه تاب من الخمر وأعرض عن اللهو. ولقد سمعته يقول لما يسر الله ديار مصر: علمت أنه أراد فتح الساحل، لأنه أوقع ذلك في نفسي.

وقال ابن واصل (٢): لما مات أسد الدين كان ثم جماعة؛ منهم عين الدولة الياروقي، وقطب الدين خسرو الهذباني، وسيف الدين علي المشطوب، وشهاب الدين محمود الحارمي خال صلاح الدين، وكل منهم تطاول إلى الأمر، فطلب العاضد صلاح الدين ليوليه الأمر، حمله على ذلك ضعف صلاح الدين، وأنه لا يجسر على مخالفة، فامتنع وجبن، فألزم وأحضر إلى القصر، وخلع عليه، ولقب بالملك الناصر صلاح الدين، وعاد إلى دار الوزارة، فلم يلتفت إليه أولئك الأمراء ولا خدموه، فقام بأمره الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري، وأمال إليه المشطوب، ثم قال لشهاب الدين: هذا هو ابن أختك، وملكه لك. ولم يزل به حتى حلفه له، ثم أتى قطب الدين وقال: إن صلاح الدين قد أطاعه الناس، ولم يبق غيرك وغير عين الدولة، وعلى كل


(١) النوادر السلطانية ٤٠ - ٤١.
(٢) مفرج الكروب ١/ ١٦٨.