للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإشاراتِ، وتحَقَّقَ بمجالِ تِلْكَ العبارات، وتكون فِي تِلْكَ الأطوار حتّى قضى ما شاءَ من لباناتٍ وأوطارٍ، فضَربتْ عَلَيْهِ العلميةُ رَواقها، وطَبَّقَ ذكرُه الدُّنيا وآفاقها، فجالَ بمجالها، ولَقِيَ رجالَها. وكان جميلَ الْجُملةِ والتفصيلِ، مُحَصَّلًا للفنونِ أحصنَ تحصيلٍ، وله فِي الأدب الشَّأو الّذِي لا يُلْحَقُ. سَمِعَ ابن الجدَّ، وابنَ زَرْقُون، ونَجَبةَ بن يحيى. وذكر أَنَّهُ لَقِيَ ببِجايةَ عَبْد الحق - وفي ذَلِكَ نظرٌ - وأنَّ السِّلَفِيّ أجاز لَهُ - وأحسبها العامة - وذكر أَنَّهُ سَمِعَ من أَبِي الخير أَحْمَد بن إِسْمَاعِيل الطالقانيّ.

قلتُ: هذا إفكٌ بينٌ، ما لَحِقَهُ أبدًا.

قَالَ ابن مسدي: وله تواليف تَشْهَدُ لَهُ بالتقدُّم والإقدام ومواقفِ النهايات فِي مزالق الأقدام. وكانَ مُقتدرًا عَلَى الكلام، ولعلَّه ما سَلِمَ من الكلام، وعندي من أخباره عجائبُ. وكان ظاهريَّ المذهبِ فِي العبادات، باطنيَّ النظرِ فِي الاعتقادات، ولهذا ما ارتبتُ فِي أمرِه والله أعلم بسِّره (١).

ذكرَه أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيْثيُّ، فقال (٢): أخذَ عن مشيخة بلده، ومال إلى الآداب، وكتبَ لبعض الوُلاةِ، ثمّ حَجَّ ولم يَرْجعْ، وسَمِعَ بتلك الديار. ورَوَى عن السِّلَفِيّ بالإجازَة العامة. وبَرَعَ فِي علم التصوف وله فِيهِ مصنفات كثيرة. ولقيَه جماعةٌ من العلماء والمتعبدّين وأخذوا عَنْهُ.

وقالَ ابنُ نُقْطَة (٣): سَكَنَ قونِيةَ ومَلَطْيَةَ مدّةً. وله كلامٌ وشعرٌ غيرَ أَنَّهُ لا يُعْجبُني شِعره.

قلت: كأنَّه يُشير إلى ما فِي شِعره من الاتحادِ وذِكْر الخَمْر والكنائسِ والملاح، كما أنشدنا أَبُو المعالي مُحَمَّد بْن عَلِيّ عَن ابن العربي لنفسه:

بذي سَلَم والدَّيْرُ من حاضرِ الحِمى … ظباءٌ تُرِيكُ الشَّمْسَ فِي صورةِ الدّمى

فأرقُبُ أفْلاكًا وأخدُمُ بِيعةً … وأحْرُسُ روضًا بالربيع مُنَمنما

فوَقْتًا أُسمَّى راعيَ الظَّبْي بالفَلا … ووَقتًا أُسمَّى رَاهبًا ومُنَجِّما

تَثَلَّثَ مَحْبُوبي وَقَدْ كَانَ واحدًا … كما صَيَّروا الأقنامَ بالذاتِ أقْنما


(١) نقل كلام ابن مسدي هذا التقيُّ الفاسي في العقد الثمين ٢/ ١٨٥ - ١٨٦.
(٢) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة ٩٢ (شهيد علي).
(٣) إكمال الإكمال ٤/ ٢٩٣.