هذا الرجل كَانَ قد تصوف، وانعزلَ، وجاعَ، وسَهرَ، وفُتحِ عَلَيْهِ بأشياء امتَزَجَتْ بعالم الخيال، والخطرات، والفكرة، فاستحكم بِهِ ذَلِكَ حتى شاهد بقوّة الخيالِ أشياءَ ظنها موجودة فِي الخارج. وسَمِعَ من طَيش دماغِه خِطابًا اعتقده من اللَّه ولا وجودَ لذلك أبدًا فِي الخارج، حتى أَنَّهُ قَالَ: لم يكُن الحقُّ أوقَفني عَلَى ما سطَّره لي فِي توقيع ولايتي أمور العالم، حتى أعلمني بأني خاتمُ الوِلايةِ المحمدية بمدينة فاس سنة خمسٍ وتسعين. فلمّا كانت ليلة الخميس في سنة ثلاثين وستمائة أوقَفني الحقُّ عَلَى التوقيع فِي ورقةٍ بيضاء، فرسمتُه بنصه: هذا توقيع إلهي كريم من الرؤوف الرحيم إلى فلان، وقد أجزَلَ لَهُ رِفَده وما خَيَّبْنا قصدَه، فلينهضْ إلى ما فُوِّض إِلَيْهِ، ولا تَشْغَلْه الوِلايةُ عن المُثولِ بين أيدينا شَهرًا بشهرٍ إلى انقضاء العمر (١).
(١) نقل تقي الدين الفاسي هذا الكلام بنصِّه من "تاريخ الإسلام" للذهبي، في العقد الثمين ٢/ ١٨٨ - ١٨٩ فاستعنا به على ضبط النص لوجوده في حاشية النسخة بخطٍّ ناصل. وعلَّق التقي الفاسي عليه بقوله: "وهذا الكلامُ فيه مؤاخذات على ابن عربي" ثم ذكر بعض هذه المؤاخذات.