للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما ذكرنا، ثمّ لم يلبث إلاّ أيامًا يسيرة حتّى سلطن ولده الكامل على الدّيار المصرية، وقدم عليه أخوه لأمه صاحب المدرسة الفلكيّة بدمشق فلك الدّين سليمان بن سروة بن جلدك.

وفيها كان نقص النّيل، والغلاء والوباء المفرط، وخربت ديار مصر، وجلا أهلها عنها، واشتد البلاء في سنة سبع، وأكلوا الجيف، ثم أكلوا الآدميّين، ومات بديار مصر أمم لا يحصيهم إلاّ الله، وكسر النّيل من ثلاثة عشر ذراعًا إلا ثلاثة أصابع، وقيل لم يكمل أربعة عشر ذراعا.

[سنة سبع وتسعين وخمسمائة]

قال الموفّق عبد اللّطيف: دخلت سنة سبعٍ مفترسة لأسباب الحياة، ويئسوا من زيادة النّيل، وارتفعت الأسعار، وأقحطت البلاد، وضوى أهل السواد والريف إلى أمّهات البلاد، وجلا كثير إلى البلاد النّائية، ومزِّقوا كلَّ ممزَّق، ودخل منهم خلق إلى القاهرة، واشتدّ بهم الجوع، ووقع فيهم الموت عند نزول الشّمس الحمل، ووبئ الهواء، وأكلوا الميتات والبَعر، ثمّ تعدّوا إلى أكل الصِّغار، وكثيرًا ما يُعثر عليهم ومعهم صِغار مشويّون أو مطبوخون، فيأمر السّلطان بإحراق الفاعل، رأيت صغيرًا مشويًا مع رجل وامرأة أُحضرا فقالا: نحن أبواه، فأمر بإحراقهما، ووُجد بمصر رجل قد جُرّدت عظامه وبقي قَفصاً، وفشى أكل بني آدم واشتهر ووجِد كثيراً، وحكى لي عدّة نساء أنّه يتوثَّب عليهنّ لاقتناص أولادهنّ ويُحامين عنهم بجهدهنّ، ولقد أُحرِق من النّساء بمصر في أيّامٍ يسيرة ثلاثون امرأة، كلٌّ منهنّ تُقِرّ بأنّها أكلت جماعة، ورأيت امرأة أُحضرت إلى الوالي وفي عنقها طفلٌ مَشوِيّ، فضُرِبت أكثر من مائة سَوط، على أن تقرّ، فلا تخبر جواباً، بل تجدها قد انخلعت عن الطِّباع البشريّة، ثمّ سُجِنت فماتت، وحكى لنا رجل أنّه كان له صديق، فدعاه ليأكل، فوجد عنده فقراء قدّامهم طبيخ كثير اللّحم، وليس معه خبز، فرابه ذلك، وطلب المِرحاض، فصادف عنده خزانة مشحونة برُمم الآدميّين وباللّحم الطَّريّ، فارتاع وخرج هارباً، وقد جرى لثلاثةٍ من الأطبّاء ممّن ينتابني، أمّا

<<  <  ج: ص:  >  >>