باب الفراديس ودخلوا. ثم قصدوا القلعة، وقاتلوا المغيث ثلاثة أيام، فسلمت بالأمان، ودخل إسماعيل القلعة، وسجن المغيث في برج إلى أن مات به.
فلما وردت أخبار أخذ دمشق فارق الملك الصالح سائر الأمراء والجند وطلبوا بلدهم وأهاليهم، وترحل هو إلى بيسان، وفسدت نيات من معه، وعلموا أنه لا ملجأ له، وأنه قد تلاشى بالكلية، وقالوا له - حتى أعمامه وأقاربه -: لا يمكننا المقام معك وأهالينا بدمشق. فأذن لهم فرحلوا بأطلابهم وهو ينظر إليهم، حتى فارقه طائفة من مماليكه، ولم يبق معه إلا أستاذ داره وزين الدين أمير جاندار ونحو سبعين مملوكاً له. فلما جنه الليل أمر أن لا تشعل الفوانيس، ثم رحل في الليل ورد إلى جهة نابلس. فحكى لي الأمير حسام الدين قال: لما رحل السلطان من منزلته اختلفت كلمة من بقي معهم، فأشار بعضهم بالمضي إلى الشقيف والتحصن به، فلم يره مصلحة، وعلم أن عمه يأخذه ويقبض عليه. وأشار بعضهم بالرجوع إلى الشرق، فخاف أن يؤخذ لبعد المسافة وقال: ما أرى إلا التوجه إلى نابلس فألتجئ إلى ابن عمي الملك الناصر. فتوجه إلى نابلس. فلما طلعت الشمس ورأى مماليكه ما هو فيه من القلة واقعهم البكاء والنحيب. واعترضهم جماعة من العربان فقاتلوهم وانتصروا على العرب، ونزلوا بظاهر نابلس.
وقوي أمر الصالح إسماعيل، وجاءته الأمراء وتمكن. وكان وزيره أمين الدولة سامرياً أسلم في صباه. وكان عمه وزيراً للأمجد صاحب بعلبك، ومات على دينه.
وأما العادل بمصر فإنه استوحش من الناصر داود وتغير عليه، فخلاه الناصر، ورد إلى الكرك ومعه سيف الدين علي بن قليج فوافق ما تم على الصالح. فبعث إلى الصالح يعده النصر، وأشار عليه بالنزول بدار الملك المعظم بنابلس. ثم نزل الناصر بعسكره. ثم أمر يوماً بضرب البوق، وأوهم أن الفرنج قد أغاروا على ناحيته، فركب معه جماعة الصالح الذين معه، فحينئذ أمر الناصر بتسيير الملك الصالح إلى الكرك في الليل. فلم يصحب الصالح من غلمانه سوى الأمير ركن الدين بيبرس الكبير، وبعث معه جاريته أم خليل شجر الدر، فأنزل بقلعة الكرك بدار السلطنة. وتقدم الناصر إلى أمه وزوجته أن يقوما بخدمة الصالح، وبعث إليه يقول: إنما فعلت هذا احتياطاً لئلا يصل إليك