الكون بل أنت غيره، ويفهم هذا كل من هو مسلم. ويقولون: إن الله تعالى هو روح الأشياء وإنه في الموجودات سارٍ كالحياة في الجسم، بل يقولون: إن الموجودات مظاهر له وإنه يظهر فيها. كما قال رمضان التوزي المعثر عرف بالجوبان القواس:
مظاهر الحق لا تعدّ … والحق فيها فلا يحد
فباطن لا يكاد يخفى … وظاهر لا يكاد يبدو
تشهده بين ذا وهذا … بأعين منه تستمدُّ
إنْ بَطَن العبدُ فهو ربٌ … أو ظَهَرَ الرَّبُّ فهو عبدُ
فعين كُنْ عين زُلْ وُجودًا … قبضٌ وبسطٌ أخذ وردُّ
مراتب الكون ثابتاتٌ … وهو إلى حكمها المردُّ
وقال الشيخ صفي الدّين الأرموي الهندي: حججت في حدود سنة ستِّ وستين، وبحثت مع ابن سبعين في الفلسفة، فقال لي: لا ينبغي لك الإقامة بمكة. فقلت: كيف تقيّم أنت بها؟ فقال: انحصرت القسمة في قعودي بها، فإن الملك الظاهر يطلبني بسبب انتمائي إلى أشراف مكة واليمن صاحبها له في عقيدة ولكن وزيره حشوي يكرهني.
قال صفي الدّين: وكان داوى صاحب مكة فصارت له عنده مكانة بذلك، ويقال: إنه نفي من المغرب بسبب كلمة كفرٍ صدرت منه وهي أنه قال: لقد تحجَّر ابن آمنةٍ في قوله: لا نبي بعدي.
قلت: وإن فتحنا باب الاعتذار عن المقالات وسلكنا طريقة التأويلات المستحيلات لم يبق في العالم كفرٌ ولا ضلال وبطلت كتب الملل والنِّحل واختلاف الفرق. وقد ذكر الغزالي ﵀ في كتاب مشكاة الأنوار فصلًا في حال الحلاج فأخذ يعتذر عما صدر منه مثل قوله: أنا الحق. وقوله: ما في الجنة إلا الله. وهذه الإطلاقات التي ظاهرها كفر وحملها على محامل سائغة وأولها وقال: هذا من فرط المحبة وشدة الوجد، وإن ذلك كقول القائل: أنا من أهوى ومن أهوى أنا.