وحكى الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري الحموي قال: كان الأمير علاء الدين البندقدار الصالحي لما قبض وأحضر إلى حماة واعتقل بجامع قلعتها اتفق حضور ركن الدين بيبرس مع تاجر وكان الملك المنصور إذ ذاك صبيا، فإذا أراد شراء رقيق تبصره الصاحبة والدته. فأحضر بيبرس هذا وخشداشه، فرأتهما من وراء الستر، فأمرت بشراء خشداشه وقالت: هذا الأسمر لا يكن بينك وبينه معاملة، فإن في عينيه شرا لائحا، فردهما جميعا، فطلب البندقدار الغلامين، فاشتراهما وهو معتقل، ثم أفرج عنه وسار بهما إلى مصر وآل أمر ركن الدين إلى ما آل.
وقد سار غير مرة في البريد حال سلطنته. وعمل في حصارات المدائن التي أخذها من الفرنج في بذل نفسه وفرط إقدامه على المخاوف ما يقضى منه العجب، فبه يضرب المثل وإليه المنتهى في سياسة الملك وتفقد أحوال جنده. فهو كما قيل: لولا نقص عدله لكان أحوذيا نسيج وحده. قد أعد للأمور أقرانها، أقامه الله وقت ظهور هولاوو وأبغا فهاباه وانجمعا عن البلاد.
٢٨٧ - بيليك، الأمير الكبير بدر الدين الخزندار الظاهري نائب الملك وأتابك الجيوش المنصورة.
كان أميرا نبيلا، عالي الهمة، لين الكلمة، كثير المعروف، محبا للصلحاء والعلماء، حسن السيرة، جيد العقل، صحيح الذهن وله فهم وذكاء، يسمع الحديث ويطالع التواريخ ويكتب خطا مليحا. وكان سهل المراس، محببا إلى الناس. وكان أستاذه يحبه ويعتمد عليه في مهماته.
كتم موت السلطان وساس العساكر والخزائن وساق الخاصكية حول محفة السلطان بصورة أنه متمرض فيها، فلما وصل إلى الملك السعيد بمصر أظهر نعي السلطان ورمى بعمامته بين يدي السعيد وصرخ، فتحدث الناس أن الأمير شمس الدين آقسنقر الفارقاني نائب السلطنة سقاه سما واشتهر ذلك فإنه خاف منه، تأسف الناس عليه.
ومات في سابع ربيع الأول عن بضع وأربعين سنة وكانت له جنازة مشهودة.