هذا الذي كنتُ يوم البين أحتسب … فلْيَقْض دمعُك عنّي بعض ما يجبُ
لم يُبْقِ فيَّ الأَسَى والسّقْمِ جارحةٍ … نفسٌ تذوبُ ودمع إثرها يجبُ
تالله لا رُمتُ صبرًا عنهمُ أَبدًا … وَفِي الحياة فَمَا لي دونهم أربُ
لا تَعْجَبَنّ لوفاتي بعدهم أسفًا … وإنما حياتي من بعدهم عجبُ
سقيًا ورعيًا لأيام لنا سفلت … والشملُ مجتمعٌ والأُنْس منتسبٌ
والعيشُ غَضٌّ وعين الدَّهر راقدةٌ … والبينُ رَثٌّ وأثواب الهَوَى قُشُبُ
والدارُ ما نزحَتْ والورقُ ما صَدَحَتْ … وحبَّذا بكم الأجراع والكتُبُ
إنْ تُمس دارُهُم عنّي مُباعدةً … فإنّ مسكنَهُمْ فِي القلبِ مُقْتَربٌ
يا سائرين إِلَى مصرَ سألتُكُم … رِفْقًا عليَّ فإنّ الأجرَ مُكتسبُ
قولوا لساكنها: حييتَ من سَكَنٍ … يا مُنية النفسِ ما ذا الصدُّ والغضبُ
بالشّام قومٌ وَفِي بغدادَ قد أسِفُوا … لا البُعدُ أخلقَ بلواهُم ولا الحقبُ
ومنها:
لولاك مادَ عمُود الدّين وانهدمَتْ … قواعدُ الحقّ واغتالَ الهُدَى عطبُ
فاليومَ بعدَكَ جمرُ الغَيّ مُضْطَرِمُ … بادي الشّرار ورُكن الرُّشْد مضطربُ
فليبكينّك رسولُ اللهِ ما هَتَفَتْ … ورقُ الحَمَام وتبكي العجم والعربُ
لم يفترق بكم حالٌ فموتكما … في الشَّهْر واليوم هَذَا الفخرُ والحسبُ
أَحْيَيْتَ سُنّتَه من بعد ما دُفِنَتْ … وشُدْتَها وقد انهدّتْ لها رتبُ
يا شامتين وفينا ما يسوؤهُم … مسْتَبْشرينَ وهذا الدهرُ محتسبُ
ليس الفناء بمقصورٍ على سببٍ … ولا البقاءُ بممدودٍ له سببُ
مَن لم يعِظْه بياضُ الشَّعْر أيقظهُ … سوادُ عَيْشٍ فلا لَهْوٌ ولا طربُ
الصبرُ أهونُ ما تُمطى غَوارِبُهُ … والأجرُ أعذبُ ما يُجنى ويجتلب
إنْ تحسبوه كريه الطَّعْم أيْسَرُه … سمٌ مُذاقٌ ففي أعقابه الضربُ
ما ماتُ من كان عزّ الدّين يَعقُبُه … وإنّما الميت منكم مَن له عقبُ
ولا تقوض بيتُ كان يعمدهُ … مثل العماد ولا أودى له طنب
علا العُلى بجمال الدين بعدكما … تحيا العلوم بمحيي الدين والقربُ
مثل الدراري السواري شيخنا أبدًا … نجمٌ يغور وتبقى بعده شُهُب