ثم إن يعقوب لم يلتفت إلى ما أجيب إليه من ذلك، ودخل خوزستان وقارب عسكر مكرم عازمًا على حرب المعتمد، وأخذ العراق منه. فوصلت طلائع المعتمد، وأقبلت جيوش يعقوب إلى قرب دير العاقول، ووقع المصاف، فبرز بين الصفين خشتج أحد قواد المعتمد وقال: يا أهل خراسان وسجستان ما عرفناكم إلا بالطاعة والتلاوة والحج، وإن دينكم لا يتم إلا بالاتباع. وما نشك أن هذا الملعون قد موه عليكم، فمن تمسك منكم بالإسلام فلينفر عنه. فلم يجيبوه.
وقيل: كان عسكر يعقوب ميلًا في ميل، ودوابهم على غاية الفراهة، فوقف المعتمد بنفسه، وكشف أخوه الموفق رأسه، وقال: أنا الغلام الهاشمي. وحمل وحمي الحرب، وقتل خلق من الفريقين، فهزم يعقوب وأخذت خزائنه، وما أفلت أحد من أصحابه إلا جريحًا، وأدركهم الليل فوقعوا في النهر من الزحمة وأثقلتهم الجراح.
وقال أبو الساج ليعقوب: ما رأيت منك شيئًا من تدبير الحروب، فكيف كنت تغلب الناس؟ فإنك جعلت ثقلك وأسراك أمامك، وقصدت بلدًا على قلة معرفة منك بمخائضه وأنهاره، وسرت من السوس إلى واسط في أربعين يومًا، وأحوال عسكرك مختلة. فقال: لم أعلم أني محارب، ولم أشك في الظفر.
قال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: بعث يعقوب رسله إلى المعتمد، ثم سار إلى واسط فاستناب عليها، ووصل إلى دير العاقول، فسار المعتمد لحربه.
وقال أبو الفرج الكاتب: نهض الخليفة لمحاربة الصفار، ولم تزل كتبه تصل إلى الخليفة بالمراوغة ويقول: إني قد علمت أن نهوض أمير المؤمنين يشرفني وينبه على موقعي منه. والخليفة يرسل إليه ويأمره بالانصراف، ويحذره سوء العاقبة. ثم عبى الخليفة جيشه، وأرسلوا المياه على طريق الصفار، فكان ذلك سبب هزيمته، فإنهم أخذوا عليه الطريق وهو لا يعلم. والتحم القتال، ثم انهزم الصفار وغنموا خزائنه. وتوهم الناس أن ذلك حيلة منه ومكر، ولولا ذلك لاتبعوه. ورجع المعتمد منصورًا