للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظّاهر (١)، وركبت البحر الخضمَّ العظيم، وغصت في الّذي نهي أهل الإسلام منها، كلّ ذلك في طلب الحقّ، وكنت أهرب في سالف الدّهر من التّقليد، والآن رجعت من الكلّ إلى كلمة الحقّ. عليكم بدين العجائز. فإن لم يدركني الحقُّ بلطيف برّه، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على برهة أهل الحقّ، وكلمة الإخلاص: لا إله إلًا الله، فالويل لابن الجوينيّ - يريد نفسه -.

وكان أبو المعالي مع تبحُّره في الفقه وأصوله لا يدري الحديث، ذكر في كتاب البرهان حديث معاذ في القياس، فقال: هو مدوَّنُ في الصّحاح، متَّفق على صحّته. كذا قال: وأنى له الصّحّة، ومداره على الحارث بن عمرو، مجهول، عن رجالٍ من أهل حمص لا يدرى من هم، عن معاذ (٢).

وقال المازريّ في شرح البرهان في قوله: إنّ الله تعالى يعلم الكلّيات لا الجزئّيات: وددت لو محوتها بدمي.

قلت: هذه لفظة ملعونة. قال ابن دحية: هي كلمة مكذِّبة للكتاب والسَّنة، مكّفر بها، هجره عليها جماعة، وحلف القشيريّ لا يكلّمه أبدًا؛ ونفي بسببها مدّةً، فجاور وتاب (٣).

قال السّمعانيّ: وسمعت أبا روح الفرج بن أبي بكر الأرمويّ مذاكرةً يقول: سمعت أستاذي غانم الموشيليّ يقول: سمعت الإمام أبا المعالي الجوينيّ يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وقال أبو المعالي الجوينيّ في كتاب الرسالة النّظاميّة (٤): اختلفت


(١) هكذا في النسخ كافة، وفي السير ١٨/ ٤٧١ وإن غيرها المحقق.
(٢) هو كما قال المصنف، وقد ضعَّفه جهابذة أهل العلم، منهم: الإمام البخاري وتلميذه النجيب الترمذي، والعقيلي، والدارقُطني، وابن حزم وابن طاهر المقدسي وابن عبد الحق الإشبيلي وابن الجوزي وابن حجر، وما صححه إلا بعض المتأخرين. فانظر تعليقنا على جامع الترمذي (١٣٢٧ - ١٣٢٨).
(٣) ليس الأمر على هذا الوجه الصريح، فقد قال المصنف فيما بعد في السير ١٨/ ٤٧٢: "وقيل: لم يقل بهذه المسألة تصريحًا، بل ألزم بها لأنه قال بمسألة الاسترسال فيما ليس بمتناه من نعيم أهل الجنة". وانظر بلا بد تعليق التاج السبكي على ما فيه من فظاظة (طبقات الشافعية ٥/ ١٨٨ فيما بعد).
(٤) وتسمى العقيدة النظامية ٢٣ فما بعد.