للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علاء الدّين طيْبرس الوزيريّ إلى صاحب مصر ليحلف له على ما اقترحه عليه. فأجابه فسَاق ودخل مصر في الثاني والعشرين من ربيع الأول، فأكرمه الملك المظفّر واحترمه، وقوى هو جَنان المظفّر على حرب التّتار. ثم جاء بعدُ الملك القاهر من الكرك فهوّن أمر التّتار. وكان شروع المصريين في الخروج إلى التّتار في نصف شعبان.

قلت: وكان الناس في دمشق آمنين من أذيّة التّتار بالنسبة، وذلك لهيبة هولاكو، لأنه بَلَغنَا أنّ مفاتيح دمشق لمّا أتته على حلب وهو فرحان بفتوح البلاد رمى بسراقوجه وقال للمُغل: دوسوا عليه. فضربوا جوك وقالوا: العفو. فقال: هذا دمشق، من آذى دمشق أو أهلها يموت. فلقد كان التّتريّ يغمس مقرعته في القنبريس أو الدِّبس ويمصها، فيسبّه الفامي ويصيح فيه وهو لا ينطق. ونحو هذا. لكن انتُهِكت الحُرُمات، وظهرت الفواحش والخمور، ورفعت النّصارى رؤوسها. وكان التّتار بين كافرٍ أونصْرانيّ أو مجوسي، وما فيهم من يتلفّظ بالشهادة إلا أن يكون نادرًا.

قال ابن الجزريّ (١): حدّثني أبي قال: خرجْتُ من الصلاة في الجمعة الثانية من رمضان، فوجدت دكاكين الخضراء وفيها النّصارى يبيعون الخمر، وبعض الفُسّاق معهم وهم يشربون ويرشُّون على المُصلين من الخمر، فبكيت بُكاءً كثيرًا إلى أن وصلت إلى دُكاني بالرّمّاحين.

وقال أبو شامة (٢): كانت النّصارى بدمشق قد شمخوا بدولة التّتار، وتردّد إيسبان المقدَّم إلى كنيستهم، وذهب بعضهم إلى هولاكو فجاء بفَرَمان بأن يرفع دينهم، فخرجت النصارى يتلقّونه، ودخلوا رافعي أصواتهم ومعهم الصّليب مرفوع، وهم يرشُّون الخمر على النّاس، وفي أبواب المساجد، ودخلوا من باب توما، ووقفوا عند رباط البيانيّة، ونادوا بشعارهم، ورشُّوا الخمر في باب الرِّباط، وباب مسجد درب الحجر، وألزموا الناس من الدّكاكين بالقيام للصليب، ومن لم يفعل ذلك أخرقوا به وأقاموه غصْبًا، وشقُّوا القصبة إلى عند القنطرة في آخر سويقة كنيسة مريم، فقام بعضهم على الدكان الوسطى


(١) المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٥٧.
(٢) ذيل الروضتين ٢٠٨.