للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: كان لقاضي القضاة الشّامي كيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وهي كتّان، وقميصًا من القطن الخشن، فإذا خرج لبسهما. والكيس الآخر فيه فتيت، فإذا أراد الأكل جعل منه في قصعة، وجعل فيه قليلًا من الماء، وأكل منه.

وكان له كارك (١) في الشهر بدينار ونصف، كان يقتات منه. فلمّا ولي القضاء جاء إنسان فدفع فيه أربعة دنانير، فأبى، وقال: لا أغيّر ساكني. وقد ارتبت بك؛ لم لا كانت هذه الزيادة قبل القضاء؟ وكان يشدّ في وسطه مئزرًا، ويخلع في بيته ثيابه، ويجلس. وكان يقول: ما دخلت في القضاء حتّى وجب علي، وأعصي إن لم أقبله. وكان طلاب المنصب قد كثروا، حتّى أنّ أبا محمد التميمي بذل فيه ذهبًا كثيرًا، فلم يجب.

وقال سبط الجوزي (٢): لمّا مات الدامغاني سنة ثمانٍ وسبعين أشار الوزير أبو شجاع على الخليفة أن يولّيه القضاء، فامتنع، فما زالوا به حتى تقلّده، وشرط أن لا يأخذ رزقًا، ولا يقبل شفاعة، ولا يغيّر ملبوسه، فأجيب إلى ذلك، فلم يتغير حاله، بل كان في القضاء كما كان قبله.

وقال ابن السّمعاني: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان قاضي القضاة الشّامي حسن الطّريقة؛ ما كان يتبسّم في مجلسه، ويقعد معبسًا، فلّما منعت الشّهود من حضور مجلسه، وقعد في بيته، نفّذ إليه القاضي أبو يوسف القزويني المعتزلي: ما عزلك الخليفة، إنّما عزلك النبي ، قال: كيف ذلك؟ قال: لأنّه قال: لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان. وأنت طول عمرك غضبان.

وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان حافظًا لتعليقة أبي الطّيّب، كأنّها بين عينيه، لم يقبل من سلطانٍ عطيّة، ولا من صديقٍ هدية. وكان يعاب بسوء الخلق والحدّة.

وقال أبو علي بن سكّرة: ورعٌ زاهدٌ، وأمّا العلم فكان يقال: لو رفع مذهب الشّافعي أمكنه أن يمليه من صدره. علّق عنه القاضي أبو الوليد الباجي.


(١) يعني: مؤجر.
(٢) وهو في كتاب جده المنتظم ٩/ ٩٥ فلا أدري لم يعدل عنه المصنف إلى سبطه في كثير من الأحيان مع اتهامه بالمجازفة؟!