للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما كان يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة أحضر الحلاج مقيدا إلى باب الطاق وهو يتبختر بقيده ويقول:

حبيبي غير منسوب … إلى شيء من الحيف

سقاني مثل ما يشرب … فعل الضيف بالضيف

فلما دارت الكأس … دعا بالنطع والسيف

كذا من يشرب الراح … مع التنين في الصيف

فضرب ألف سوط، ثم قطعت يده ورجله، ثم حز رأسه وأحرقت جثته.

وذكر ابن حوقل قال: ظهر من إقليم فارس الحسين بن منصور الحلاج، ينتحل الشك والتصوف، فما زال يترقى طبقا عن طبق حتى آل به الحال إلى أن زعم أنه من هذب في الطاعة جسمه، وشغل بالأعمال الصالحة قلبه، وصبر على مفارقة اللذات، ومنع نفسه عن الشهوات يترق في درج المصافاة حتى يصفوا عن البشرية طبعه، فإذا صفى حل فيه روح الله الذي كان منه إلى عيسى ابن مريم ، فيصير مطاعا، يقول للشيء: كن فيكون فكان الحلاج يتعاطى ذلك، ويدعو إلى نفسه، حتى استمال جماعة من الوزراء والأمراء وملوك الجزيرة والجبال والعامة.

وقال أبو الفرج ابن الجوزي (١): قد جمعت كتابا سميته القاطع لمحال اللجاج بحال الحلاج، وقال: قد كان هذا الرجل يتكلم بكلام الصوفية فتندر له كلمات حسان، ثم يخطلها بأشياء لا تجوز. وكذلك أشعاره، قال: فمنها:

سبحان من أظهر ناسوته … سر سنا لاهوته الثاقب

ثم بدا في خلقه ظاهرا … في صورة الآكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه … كلحظة الحاجب بالحاجب

قال: ولما حبس ببغداد استغوى جماعة، فكانوا يستشفون ببوله، ويقولون: إنه يحيي الموتى.

وقال ثابت بن سنان (٢): انتهى إلى حامد بن العباس في وزارته أمر الحلاج، وأنه قد موه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر


(١) المنتظم ٦/ ١٦٢.
(٢) نقله مسكوية في تجارب الأمم ١/ ٧٦ فما بعدها.