للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومِلْ إلى البان من شرقيّ كاظمةٍ … فلي إلى البان من شرقيّها طربُ

وخُذْ يمينًا لمغنى تهتدي بشذا … نسيمه الركب إنْ ضلتْ بك النُّجُبُ

حيث الهضابُ وبطْحاها يروضها … دمع المحبين لا الأنداء والسُّحُبُ

أكرِمْ بِهِ منزلًا تحميه هيبته … عنّي وأنواره لا السُّمرُ والقُضُبُ

دعني أعلّلُ نفْسًا عَزَّ مطْلبُها … فِيهِ وقلبًا لغدرٍ لَيْسَ ينقلب

ففيه عاهدت قدمًا حبّ من حَسُنَتْ … بِهِ الملاحة واعتزْت بِهِ الرُتَبُ

دان وأدنى وعزّ الحُسْن يحجبُه … عنّي وذلّي والإجلالُ والرَّهَبُ

أحيا إذا مت من شوقي لرؤيته … لأنني لهواه فِيهِ منتسبُ

ولست أعجب من جسمي وصحّته … من صحّتي إنّما سَقَمي هُوَ العجبُ

يا لَهف نفسيّ لو يْجدي تلهُفُها … غوثًا وواحَرَبي لو ينفع الحربُ

يمضي الزّمانُ وأشواقي مضاعفة … يا للرجال ولا وصْلٌ ولا سببُ

هبّتْ لنا نسماتٌ من ديارهم … لم تُبْقِ فِي الركْب من لا هزّه الطَّربُ

كدنا نطير سرورًا من تذكُرهم … حتّى لقد رقصت من تحتنا النُّجُبُ

يا بارقًا بأعالي الرُقْمتَيْن بدا … لقد حكيت ولكنْ فاتَكَ الشَّنَبُ

أما خفوق فؤادي فهو عَنْ سبب … فعَن خفوقك قل لي ما هُوَ السببُ

ويا نسيمًا سرى من جوّ كاظمةٍ … بالله قل لي كيف البانُ والعذب

وكيف جيرة ذاك الحيّ هَلْ حفظوا … عهدًا أراعيه إنْ شطّوا وإنْ قربوا

أم ضيّعوا ومرادي منك ذِكرهمُ … هُمُ الأحبّة إنْ أعطوا وإنْ سلبوا (١)

فاتّفق أنّ نجم الدين ابن إسرائيل الحريريّ الشاعر حجّ، فلقي ورقةً ملقاةً، ففتحها فإذا فيها هذه القصيدة فادّعاها.

قَالَ الشّيْخ قُطْبُ الدّين (٢): فحكى لي صاحبنا الموفّق عَبْد اللَّه بْن عُمَر أن ابن إسرائيل وابن الخَيْميّ اجتمعا بعد ذَلِكَ بحضرة جماعةٍ من الأدباء، وجرى الحديث فِي الأبيات المذكورة، فأصرّ ابن إسرائيل عَلَى أنّه ناظمها، فتحاكما إلى الشيخ شرف الدين عمر ابن الفارض. فقال: ينبغي لكلّ واحدٍ منكما أنْ ينظم أبياتاً على هذا الوزن والروي أستدلُّ بها، فنظم ابن الخَيْميّ:


(١) القصيدة في ذيل مرآة الزمان ٤/ ٣٠٢ - ٣٠٣.
(٢) ذيل مرآة الزمان ٤/ ٣٠٣ - ٣٠٦.