للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعتمد الرسول، وقتل من كان معه. فبلغ الأدفونش الخبر وهو متوجّهٌ لحصار قرطبة، فرجع إلى طليطلة لأخذ آلات الحصار، فأتى المشايخ والعلماء إلى أبي عبد الله محمد بن أدهم، وفاوضوه فيما نزل بالمسلمين، فاجتمع رأيهم أن يكتبوا إلى الأمير أبي يعقوب يوسف بن تاشفين صاحب مرّاكش، يستنجدونه ليعدي بجيوشه إلى الأندلس، وينجد الإسلام. واجتمع القاضي بالمعتمد على الله، وأعلمه بما جرى فقال: المصلحة ذلك. ثمّ إنّ ابن تاشفين نزل سبتة، وأمر جيشه، فعبروا إلى الجزيرة الخضراء، ولمّا تكامل له جنده عبر هو في السّاقة. ثم إنّه اجتمع بالمعتمد. وقد عرض المعتمد عساكره. وأقبل المسلمون من كلّ النّواحي طلبًا للجهاد. وبلغ الأدفونش الخبر فخرج في أربعين ألف فارس، وكتب إلى ابن تاشفين يتهدّده، فكتب ابن تاشفين جوابه في ظهر كتابه: الذي يكون ستراه. وردّه إليه. فلمّا عاينه وقرأه ارتاع لذلك، وقال: هذا رجل قد عزم. ثمّ سار حزب الإسلام وحزب الصّليب والتقى الجمعان بالزّلاقة من بلد بطليوس، فكانت ملحمةً كبرى، وهزم الله الأدفونش، بعد استئصال عسكره، ولم يسلم معه سوى نفرٍ يسير. وذلك في يوم الجمعة من رمضان سنة تسعٍ وسبعين. وأصاب المعتمد جراحاتٌ في وجهه وبدنه، وشهدوا له بالشّجاعة، وغنم المسلمون شيئًا كثيرًا. وعاد ابن تاشفين إلى بلاده. ثمّ إنّه في العام المقبل، عدّى إلى الأندلس، وتلقاه المعتمد، وحاصرا بعض حصون الفرنج، فلم يقدرا عليه، فرحل ابن تاشفين، ومرّ بغرناطة فأخرج إليه صاحبها عبد الله بن بلكّين تقادم سنيّة، وتلقاه، فغدر به ابن تاشفين، ودخل بلده وقصره، وأخذ منه ما لا يحصى، ثمّ رجع إلى مرّاكش، وقد أعجبه حسن الأندلس وبساتينها وبناها ومطاعمها التي لا توجد بمراكش، فإنّها بلاد بربر وأجلاف العربان. وجعل خواصّ ابن تاشفين يعظّمون عنده الأندلس، ويحسّنون له أخذها، ويغرون قلبه على المعتمد بأشياء.

وقال عبد الواحد بن علي المراكشي في تاريخه (١): غلب المعتمد على قرطبة في سنة إحدى وسبعين، فأخرج منها ابن عكاشة، ثم رجع إلى إشبيلية، واستخلف عليها ولده عبادًا، ولقبه المأمون. وفي سنة تسع وسبعين جاز


(١) المعجب في تلخيص أخبار المغرب ١٨٩ - ٢٠١.