ذكر رويم، وابن عطاء أن النوري يقول الشيء وضده، ولا نعرف هذا إلا قول سوفسطا، ومن قال بقوله.
قال ابن الأعرابي: فكان بينهم وبين النوري وحشة، وكان يكثر منهم التعجب.
وقالوا للجنيد، فأنكر عليهم، وقال: لا تقولوا مثل هذا لأبي الحسين، ولكنه رجل لعله قد تغير دماغه.
ثم إنه انقبض عن جميعهم، وأظهر لمن لقيه منهم الجفاء، وغلبت عليه العلة وعمي، ولزم الصحارى والمقابر. وكانت له في ذلك أحوال يطول شرحها.
وسمعت جماعة يقولون: من رأى النوري بعد قدومه من الرقة ولم يكن رآه قبلها، فكأنه لم يره لتغيره، رحمه الله.
قال ابن جهضم: حدثني أبو بكر الجلاء قال: كان أبو الحسين النوري إذا رأى منكراً غيره، ولو كان فيه تلفه. فنزل يوماً يتوضأ، فرأى زورقاً فيه ثلاثون دناً. فقال للملاح: ما هذه؟ فقال: ما يلزمك. فألح عليه، فقال: أنت والله صوفي كثير الفضول، هذا خمر للمعتضد.
فقال: أعطني ذلك المدرى، فاغتاظ وقال لأجيره: ناوله حتى أبصر ما يصنع. فأخذه، ولم يزل يكسرها دناً دناً. فلم يترك إلا واحداً، فأخذ النوري، وأدخل إلى المعتضد، فقال: من أنت ويلك؟ قلت: محتسب.
قال: ومن ولاك الحسبة؟ قلت: الذي ولاك الإمامة يا أمير المؤمنين.
فأطرق ثم قال: ما حملك على ما صنعت؟ قلت: شفقة مني عليك.
قال: كيف خلص هذا الدن؟ فذكر النوري ما معناه أنه كان يكسر الدنان ونفسه مخلصة، فلما وصل إلى هذا الدن أعجبته نفسه، فارتاب في إخلاصه، فترك الدن.
وعن أبي أحمد المغازلي قال: ما رأيت أحداً قط أعبد من النوري.
قيل: ولا الجنيد؟ قال: ولا الجنيد.
وقيل: إن الجنيد مرض، فعاده النوري، فوضع يده عليه، فعوفي لوقته.
٦٤ - أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن رباح. أبو جعفر المصري المؤدب، مولى آل مروان.