للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنّسوانُ وأولادُهم، وما بقي أحدٌ لا في النَّخل ولا في المدينة إلاّ عند النبي ، وأشفقنا منها، وظهر ضؤوها إلى أن أُبصرت من مكّة، ومن الفَلاة جميعها. ثمّ سال منها نهرٌ من نار، وأخذ في وادي أُحلين وسدّ الطريق، ثم طلع إلى بحرة الحاجّ، وهو بحر نار يجري وفوقه حرَّة تسير إلى أن قطعت وادي الشَّظاة، وما عاد يجيء في الوادي سيْلٌ قطّ لأنَّها حرّة، تجيء قامتين وثلث عُلُوُّها. والله يا أخي إنّ عيشتنا اليوم مكدَّرة، والمدينة قد تاب أهلُها ولا بقي يُسمع فيها ربابٌ ولا دُف ولا شُرْب. وتمّت تسير إلى أن سدّت بعض طريق الحاجّ، وكان في الودي إلينا منها قَتِير (١)، وخفنا أن تجيئنا، واجتمع النّاس وباتوا عند النبي ليلة الجمعة وقد طُفِئ قتيرها الذي يلينا بقُدرة الله، وإلى الساعة ما نقَصَتْ بل ترمي مثل الجمال حجارةً من نار، ولها دوِيّ، ما تدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدر أصف لك عظَمَها ولا ما فيها من الأهوال. وأبصرها أهل ينبُع، وندبوا قاضيهم ابنَ أسعد، وجاء وغدا إليها، وما أصبح يقدر يصفُها من عِظمها، وكتب يوم خامس رجب، والشّمس والقمر من يوم طلعت ما يطلعان إلا كاسِفين.

ومن كتاب آخر من بعض بني الفاشانيّ يقول (٢): جرى عندنا أمرٌ عظيم. إلى أن قال في النّار: ظهر دخان عظيم في السماء ينعقد حتى يبقى كالسحاب الأبيض إلى آخر النهار ظهر للنّار ألسُنٌ تصَّعَّد في الهواء حمراء كأنّها العَلَقة، وعظُمت ففزع النّاس إلى المسجد، وابتهلوا إلى الله، وغطَّت حُمرةُ النّار السّماء كلَّها حتى بقي النّاس في مثل ضوء القمر، وأيقنّا بالعذاب. وصعِد القاضي والفقيه إلى الأمير يعِظُونه فطرح المكس، وأعتق رقيقه كلَّهم، وردّ علينا كلَّ ما لنا تحت يده، وعلى غيرنا، وبقيت كذلك أيّامًا، ثمّ سالت في وادي أُحلين تتحدر مع الوادي إلى الشَّظاة، حتىّ لحق سَيَلانُها ببَحْرة الحاجّ، والحجارة معها تتحرَّك وتسير حتىّ كادت تقارب حرَّة العِراض (٣)، ثمَّ سَكَنتْ ووقفت أيامًا، ثم عاد يخرج منها ترمي بحجارة من خلفها وأمامها حتىّ بَنَتْ جبلين خلفَها وأًمامها، وما بقي يخرج منها من بين الجبلين، لسانٌ لها أيّامًا.


(١) القتير: دخان فيه نار.
(٢) ذيل الروضتين ١٩٢ - ١٩٣.
(٣) لعله هو: عُريض، واد بالمدينة، ذكره ياقوت في معجم البلدان.