للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العسكر، وأكثروا القتل في الهنود، ولم ينج منهم إلا من عجز المسلمون عنه، وقُتلت ملكتهم، وتمكن شهاب الدين من بلاد الهند، والتزموا له بحمل الأموال وصالحوه، وأقطع مملوكه قطب الدين أيبك مدينة دهلي، وهي كرسي مملكة الهند، وجهّز جيشًا، فافتتحوا مواضع ما وصل إليها مسلم قبله، حتى قاربوا جهة الصين.

وفي صفر توجه صاحب دمشق مجير الدين، ومعه مؤيَّد الدين الوزير، فنازل بصرى لمخالفته له ولجوره على أهل الناحية، وسلّم إليه مجاهد الدين مفاتيح صرخد، فأعطاه جملة، ثم صالحه سرخاك نائب بُصرى.

وجاءت الأخبار بأن نور الدين يجمع الجيوش للغزو، وليكشف عن أهل عسقلان، فإن الفرنج نزلوا عليها في جمع عظيم، فتوجه مُجير الدين صاحب دمشق إلى خدمة نور الدين، واجتمع به في أمر الجهاد، وساروا إلى بانياس، فبلغهم أخذ عسقلان وتخاذل أهلها واختلافهم.

ومرّ من شرح حال الرئيس وتمكّنه من وزارة دمشق، فعرض الآن بينه وبين أخويه عز الدولة وزين الدولة مشاحنات وشرّ أفضت إلى اجتماعهما بمجير الدين صاحب دمشق، فأنفذ يستدعي الرئيس للإصلاح بينهم، فامتنع، فآلت الحال إلى أن تمكّن زين الدولة منه بإعانة مجير الدين عليه، فتقرر بينهما إخراج الرئيس من دمشق، وجماعته إلى قلعة صرخد مع مجاهد الدين بُزان، وتقلّد زين الدولة الوزارة، فلم يلبث إلا أشهرًا، فظلم فيها وعسف، إلى أن ضرب عنقه مجير الدين، وردّ أمرَ الرياسة والنظر في البلد إلى الرئيس رضي الدين أبي غالب عبد المنعم بن محمد بن أسد بن علي التميمي، فاستبشر الناس قاطبةً.

وكان الغلاء بدمشق شديدا، بلغت الغرارة خمسة وعشرين دينارًا، ومات الفقراء على الطرق، فعزم نور الدين على منازلتها، وطمع لهذه الحال في تملّكها.

وأما رضي الدين التميمي، فإنه طُلب إلى القلعة، وشُرّف بالخِلع المكملة، والمركوب بالسخت (١)، والسيف المحلّى، والترس، وركب معه الخواصّ إلى داره، وكُتب له التقليد، ولُقِّب بالرئيس الأجل، وجيه الدولة، شرف الرؤساء.

ونفذ مجير الدين إلى بعلبك، فاعتقل وقيّد متوليها عطاء الخادم، وكان جبارًا، ظالمًا، غشومًا، فسُرَّت بمصرعه النفوس، ونُهبت حواصله، ثم ضُربت عنقه.


(١) السخت: قطعة من الجلد، كأنها كانت توضع على ظهر الحيوان.