جمعة أو عيد أو جنازة. ولا يحضر دور أبناء الدنيا ولا الرؤساء في هناء ولا في عزاء. وكان يديم الصيام غالبًا على كبر سنه، ويستعمل السنة في مدخله ومخرجه وملبسه وأموره، ويحب الصالحين، ويعظم العلماء، ويتواضع لجميع الناس. وكان دائمًا يقول: أسأل الله أن يميتنا مسلمين. وكان ظاهر الخشوع، غزير الدمعة، وكان يعتذر من البكاء، ويقول: قد كبرت سني، ورق عظمي، فلا أملك عبرتي، يقول ذلك خوفًا من الرياء. وكان الله قد ألبسه رداءً جميلًا من البهاء، وحسن الخلقة، وقبول الصورة ونور الطاعة وجلالة العبادة. وكانت له في القلوب منزلة عظيمة يحبه كل أحد، وإذا رآه ينتفع برؤيته قبل كلامه، فإذا تكلم، كان البهاء والنور على ألفاظه، ولا يشبع من مجالسته. ولقد طفت شرقًا وغربًا، ورأيت الأئمة والزهاد، فما رأيت أكمل منه، ولا أكثر عبادة، ولا أحسن سمتًا، صحبته قريبًا من عشرين سنة ليلًا ونهارًا، وتأدبت به وخدمته، وقرأت عليه القرآن بجميع رواياته، وسمعت منه أكثر مروياته. وكان ثقة حجة نبيلًا علمًا من أعلام الدين. سمع منه الحفاظ؛ علي بن أحمد الزيدي، والقاضي عمر بن علي، وأبو بكر الحازمي، وخلق، ورووا عنه وهو حي. وسمعت أبا محمد ابن الأخضر غير مرة يقول: لم يبق ممن طلب الحديث وعني به غير عبد الوهاب ابن سكينة. وسمعته يقول: كان شيخنا ابن ناصر يجلس في داره على سرير لطيف، فكل من حضر عنده يجلس تحت سريره كابن شافع والباقداري وأمثالهم، وما رأيته أجلس معه أحدًا على سريره إلا ابن سكينة.
قال ابن النجار: وأنبأنا القاضي يحيى بن القاسم مدرس النظامية في ذكر مشايخه: أبو أحمد ابن سكينة؛ كان عالمًا عاملًا، دائم التكرار لكتاب التنبيه في الفقه، كثير الاشتغال بالمهذب والوسيط في الفقه، لا يضيع شيئًا من وقته. وكنا إذا دخلنا عليه يقول: لا تزيدوا على سلام عليكم مسألة، لكثرة حرصه على المباحثة وتقرير الأحكام.
وقال الدبيثي (١): سمع بنفسه، وحصل المسموعات، وسمع أباه، وخلقًا كثيرًا، سمى منهم أبا البركات عمر بن إبراهيم العلوي، وأبا شجاع البسطامي.
(١) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة ١٥٦ - ١٥٧ (باريس ٥٩٢٢).