للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأراح البلاد والعباد منه، فلقد بيَّت الناس بليال صعبة ونهب المسلمين، وفعل العظائم، كما تراه في الحوادث.

وقد كتب الأمير بدران بن صدقة إلى إخوته:

ألا قل لمنصور وقل لمسيب … وقل لدبيس إنني لغريب

هنيئا لكم ماء الفرات وطيبه … إذا لم يكن لي في الفرات نصيب

فأجابه دبيس:

ألا قل لبدران الذي حن نازعا … إلى أرضه والحر ليس يخيب

تمتع بأيام السرور فإنما … عذار الأماني بالهموم يشيب

ولله في تلك الحوادث حكمة … وللأرض من كأس الكرام نصيب (١)

وقد انهزم من العراق إلى الشام وكاد أن يهلك في خواص من غلمانه، وكان قصده مري بن ربيعة أمير عرب الشام، فهلك في البرية خلق من أتباعه بالعطش، وحصل في حلة مكتوم بن حسان فبادر إلى تاج الملوك فأخبره، فبعث خيلا نحوه، فأحضروه إلى قلعة دمشق في شعبان سنة خمس وعشرين فاعتقله على غاية من الإكرام، وكاتب المسترشد بذلك فجاء الجواب بأن يحتفظ به حتى يجيء من عندنا من يستلمه.

وعرف الأتابك زنكي صاحب الموصل وحلب بذلك، فبعث بطلبه ليطلق سونج ولد تاج الملوك من أسره ومن معه من الأمراء، فتقرر الشرط، وبعث أولئك وتسلم أصحابه دبيسا بناحية قارا في ذي القعدة، وقد مر بعض ذلك في الحوادث. وكان دبيس شيعيا كجده دبيس بن علي، ولجده وقد أحسن، وإن كان شيعيا:

حب علي بن أبي طالب … للناس مقياس ومعيار

يخرج ما في أصلهم مثل ما … تخرج غش الذهب النار

ومات جدهم دبيس أبو الأغر في شوال سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وله ثمانون سنة.


(١) الأبيات في وفيات الأعيان ٢/ ٢٦٤.