للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

برج ليطلعوا منه، فبادروا وندبوا ثلاثمائة من شجعانهم، فلم يزالوا يطلعون في الحبال واحدًا واحدًا، وكلما طلع واحد قتله ابن صليحة، إلى أن قتلهم أجمعين، فلما طلع الضوء صفف الرؤوس على السور، ثم إنهم هدموا برجًا، فأصبح وقد عمله، وكان يخرج من الباب بفوارسه يقاتل، فحملوا مرة عليه، فانهزم فتبعه الفرنج، فخرج أهل البلد، وركبوا أكتافهم فانهزموا، وجاء النصر، وأسر مقدم الفرنج، ثم علم ابن صليحة أن الفرنج لا ينامون عنه، فسلم البلد إلى صاحب دمشق، وسار إلى بغداد بأمواله وخزائنه، وأخذ له السلطان بركياروق شيئًا كثيرًا.

وفيها أقبل جيش للفرنج، نحو خمسين ألفا، فمروا ببلاد قلج أرسلان، فحشد وجمع وعرض ستة آلاف فارس نقاوة، وعمل له كمينًا، فكسر الفرنج كسرة مشهورة، وغنم ما لا يوصف.

قال ابن منقذ: حدثني محمد المستوفي رسول جناح الدولة إلى ملك الروم، أنهم اعتبروا عدتهم، فكانوا ثلاثمائة ألف وخمسة وأربعين ألف إنسان، ومعهم خمسون حمل ذهب وفضةٍ وديباجٍ، فانضاف إليهم الذين انهزموا من الوقعة المذكورة، فجمع قلج أرسلان الترك ببلاده، فزادوا على خمسين ألفًا، وغور الماء الذي في طريقهم، وأحرق العشب، وأخلى القرى، فأقبلوا في أرض بلا ماء ولا مرعى.

قال: وحدثني رسول رضوان إلى ملك الفرنج طنكلي أنه اجتمع مع الملك تبنين صاحب هذا الجمع، فقال: خرجت من بلادي في أربعمائة ألف، منهم ألفا شرابي، وألف طباخ، وألف فراش، وسبعمائة بغل ديباج، ومال، والخيالة تزيد على خمسين ألفًا، ولما سرت عن القسطنطينية أيامًا، لم أجد مرفقًا، ولا قبلت من صنجيل في غير هذه الطريق، ولا أتمكن من العودة لضعف الناس والعطش والجوع، فعند الإياس خرجت في ثلاثة نفر، معنا كلاب وبزاة، أوهمت الناس أني أتصيد، وسرت إلى البحر، فنزلت في مركب، وتركت العسكر، وبلغني أن الترك دخلوه، فلم يمنع أحد عن نفسه، وهلكوا بالموت والقتل، وغنم التركمان ما لا يوصف، ثم سار تبنين وحج القدس، ورجع إلى بلاده في البحر.