للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجدريّ ثوبا مصبوغا بالعصفر، لا أعقل غير ذلك.

أخذ العربيّة عن أهل بلده كبني كوثر وأصحاب ابن خالويه، ثمّ رحل أطرابلس، وكانت بها خزائن كتب موقوفة فاجتاز باللاّذقية ونزل ديرا كان به راهب له علم بأقاويل الفلاسفة، فسمع أبو العلاء كلامه، فحصل له به شكوك، ولم يكن عنده ما يدفع به ذلك، فحصل له بعض انحلال، وأودع من ذلك بعض شعره، ومنهم من يقول ارعوى وتاب واستغفر.

وممن قرأ عليه أبو العلاء اللغة جماعة فقرأ بالمعرة على والده وبحلب على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي وغيره، وكان قانعا باليسير، له وقفٌ يحصل له منه في العام نحو ثلاثين دينارا، قرَّر منها لمن يخدمه النّصف، وكان أكله العدس، وحلاوته التّين، ولباسه القطن، وفراشه لبّاد، وحصيره برديّة، وكانت له نفسٌ قويّة لا تحمل منَّة أحد، وإلاّ لو تكسَّب بالشِّعر والمديح لكان ينال بذلك دنيا ورياسة، واتّفق أنّه عورض في الوقف المذكور من جهة أمير بحلب، فسافر إلى بغداد متظلّما منه في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، فسمعوا منه ببغداد سقط الزِّند، وعاد إلى المعرّة سنة أربعمائة، وقد قصده الطَّلبة من النّواحي.

ويقال عنه أنّه كان يحفظ ما يمرّ بسمعه، وقد سمع الحديث بالمعرَّة عاليا من يحيى بن مسعر التَّنوخيّ، عن أبي عروبة الحرّانيّ، ولزم منزله، وسمّى نفسه رهن المحبسين للزوم منزله، وذهاب بصره، وأخذ في التّصنيف، فكان يملي تصانيفه على الطَّلبة، ومكث بضعا وأربعين سنة لا يأكل اللَّحم، ولا يرى إيلام الحيوان مطلقا على شريعة الفلاسفة، وقال الشِّعر وهو ابن إحدى عشرة سنة.

قال أبو الحسين عليّ بن يوسف القفطيّ (١): قرأت على ظهر كتاب عتيق أن صالح بن مرداس صاحب حلب خرج إلى المعرَّة وقد عصى عليه أهلها، فنازلها وشرع في حصارها ورماها بالمجانيق. فلما أحسّ أهلها بالغلب سعوا إلى أبي العلاء بن سليمان وسألوه أن يخرج ويشفع فيهم. فخرج ومعه قائدٌ يقوده، فأكرمه صالح واحترمه، ثمّ قال: ألك حاجة؟ قال: الأمير أطال الله


(١) إنباه الرواة ١/ ٥٣ - ٥٤.