للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقُتل من المسلمين نحو عشرة أنفس فقط. وكان يومًا مشهودًا حاز فضله المصريون.

وجاءت الأخبار من الغد بموت ملك الألمان، وبالوباء في أصحابه، وتباشر المسلمون، وفرحوا بنصر اللَّه، فجاءت الفرنج نجدة كبيرة لم تكن في حسبانهم مع ملكهم كندهري، وجاءتهم أموال كثيرة وميرة وأسلحة، فقويت نفوسهم. وأنتنت منزلة المسلمين بريح القتلى، فانتقل صلاح الدين، إلى الخرُّوبة في السابع والعشرين من جمادى الآخرة، كما انتقل عام أول. وقلَّت الأقوات بعكا، فبعث السّلطان إلى متولي بيروت فجهز بطسة عظيمة، وألبس الرجال لبس الفرنج، ورفعوا الصُّلبان بالبطسة، فوصلت إلى عكا، فلم يشك الفرنج أنها لهم، ولم يتعرضوا لها، فلما حاذت ميناء عكا ودخلت ندمت الفرنج، وانتعش المسلمون.

وفي شوال خرجت الفرنج من وراء خنادقهم في أكمل أُهبة وأكثر عدد، فالتقاهم السّلطان في تعبئةٍ حسنةٍ، فكان أولاده في القلب، وأخوه الملك العادل في الميمنة، وابن أخيه تقي الدّين عمر، وصاحب سنجار عماد الدّين في الميسرة. واتفق للسلطان قولنج كان يعتريه، فنُصبت له خيمة على تل، فرأى الفرنج ما لا قبل لهم به فتقهقروا.

قال ابن الأثير (١): لولا الألم الذي حدث لصلاح الدّين لكانت هي الفيصل، وإنما للَّه أمر هو بالغه. فلما دخل الفرنج خنادقهم، ولم يكن لهم بعدها ظهور منه، عاد المسلمون إلى خيامهم وقد قتلوا من الفرنج خلقًا يومئذ. إلا أن في الثالث والعشرين من شوال تعرض عسكر من المسلمين للفرنج، فخرج إليهم أربعمائة فارس فناوشوهم القتال وتطاردوا، فتبعهم الفرنج، فخرج كمين للمسلمين عليهم فلم يفلت منهم أحد.

واشتد الغلاء على الفرنج، وجاء الشتاء، وانقطعت مادة البحر لهيجه، ولولا أن بعض الجهال كانوا يجلبون إليهم الغلات لأن الغرارة بلغت عندهم ألف درهم، لكانوا هلكوا جوعًا.

وأرسل أهل عكا يشكون الضجر والسآمة، فأمر السّلطان بإخراجهم،


(١) الكامل ١٢/ ٥٤ - ٥٥.