ومساعي سلفه في الجهاد الغُرّ المحجلة، الكاشفة لكل معضلة، والأخبار بذلك سائرة، والآثار ظاهرة.
إلى أن قال: وكان المتوقع من تلك الدولة العالية، والعزمة الغادية مع القدرة الوافية، والهمة المهدية الهادية، أن يمد غرب الإسلام المسلمين بأكثر مما أمد به غرب الكفار الكافرين. فيملأها عليهم جواري كالأعلام، ومدنًا في اللجج كأنها الليالي مقلعة بالأيام، تطلع علينا آمالًا، وعلى الكفر آجالًا، وتردنا إما جملة وإما أرسالًا ولما استبطئت ظُنَّ أنها قد توقفت على الاستدعاء، فصرحنا به في هذه التحية، وسُير لحصون مجلسه الأطهر، ومحله الأنور، الأمير الأجل المجاهد شمس الدّين أبو الحرم عبد الرحمن بن منقذ، الهدية إليه ختمة في ربعة، وثلاثمائة مثقال مسك، وستمائة حبة عنبر، وعشرة أمنان عود دهن بلسان مائة درهم، مائة قوس بأوتارها، عشرون سرجًا، عشرون سيفًا، سبع مائة سهم.
وكان دخوله على يعقوب في العشرين من ذي الحجة بمراكش، فأقام سنة وعشرين يومًا، وخرج وقدم الإسكندرية في جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وثمانين، ولم يحصل الغرض، لأنه عزَّ على يعقوب كونه لم يُخاطب بأمير المؤمنين.
وقد مدحه ابن منقذ بقصيدةٍ منها:
سأشكر بحرًا ذا عُبابٍ قطعته … إلى بحر جود ما لنعماه ساحلُ
إلى معدن التقوى إلى كعبة الهدى … إلى مَن سَمَت بالذِّكر منه الأوائِلُ
وكان السّلطان صلاح الدّين قد هم بأن يكتب إليه بأمير المؤمنين، فكتب إلى السّلطان القاضي الفاضل يقول: والمملوك ليس عند المولى من أهل الاتهام، والهدية المغربية نجزت كما أمر به. وكتب الكتاب على ما مثّل، وفخَّم الوصف فوق العادة، وعند وصول الأمير نجم الدّين فاوضته في أنه لا يمكن إلا التعريض لا التصريح بما وقع له أنه لا تنجح الحاجة إلا به من لفظة أمير المؤمنين، وأن الذين أشاروا بهذا ما قالوا نقلًا، ولا عرفوا مكاتبة المصريين قديمًا. وآخر ما كتب في أيام الصالح بن رزيك، فخوطب به أكبر أولاد عبد المؤمن وولي عهده بالأمير الأصيل النجار، الجسيم الفخار. وعادت