صور طمعوا، وقويت نفوسهم. ثم وصل إليهم دبيس بن صدقة، قبحه الله، فطمعهم أيضًا في المسلمين، وقال: إن أهل حلب شيعة، ويميلون إلي، ومتى رأوني سلموها إلي، فأكون نائبًا لكم. فساروا معه، وحاصروا حلب حصارًا شديدًا، فاستنجد أهلها بالبرسقي، فسار إليها بجيوشه، فترحل الفرنج عنها وهو يراهم، فلم يهجمهم، ودخل حلب ورتب أمرها.
وورد الخبر بأن دبيس بن صدقة التجأ إلى الملك طغرلبك أخي السلطان محمود بعد عوده من الشام، وأنهما على قصد بغداد، فتأهب الخليفة، وجمع الجيوش من كل ناحية.
وجاء الوباء ببغداد وإلى البصرة في ربيع الأول.
وتزوج الخليفة ببنت السلطان سنجر.
وفيها أخذ جماعة من الباطنية كانوا قدموا في قافلة، فقتلوا ببغداد، قيل: جاءوا لقتل الوزير ابن صدقة والأمير نظر، وأخذ في الجملة ابن أيوب قاضي عكبرا ونهبت داره، فقيل: كانت عنده مدارج من كتب الباطنية، وأخذ آخر كان يعينهم بالمال.
وفيها قبض على ناصح الدولة أستاذ الدار وصودر، وقرر عليه أربعون ألف دينار.
[سنة تسع عشرة وخمسمائة]
في صفر برز الخليفة إلى صحراء الشماسية بجيوشه، ثم رحل فنزل الدسكرة، وجاء دبيس وطغرلبك فدبروا أن يكبسوا بغداد ليلًا، ويحفظ دبيس المخائض، وينهب طغرلبك بغداد. فمرض طغرلبك تلك الليلة، وجاء المطر، وزاد الماء، وضج الناس بالابتهال إلى الله، وأرجف عند الخليفة بأن دبيسًا دخل بغداد، فرحل مجدًا إلى النهروان.
فلم يشعر دبيس إلا برايات الخليفة، فلما رآها دهش، وقبل الأرض، وقال: أنا العبد المطرود، أما آن يعفى عن العبد المذنب؟ فلم يجبه أحد، فأعاد القول والتضرع، فرق له الخليفة، وهم بالعفو عنه، فصرفه عن ذلك الوزير أبو علي بن صدقة، وبعث الخليفة نظرا الخادم إلى بغداد بالبشارة، ونودي في البلد بأن يخرج العسكر لطلب دبيس، والإسراع مع الوزير ابن صدقة.