وكانت نذرت أن تصعد المنبر فصعدت، ثم حار الحجاج في أمره مع شبيب، فوجه لقتاله عثمان بن قطن الحارثي، فالتقوا في آخر العام، فقتل عثمان وانهزم جمعه بعد أن قتل يومئذ ممن معه ست مائة نفس، منهم مائة وعشرون من كندة، وقتل من الأعيان: عقيل بن شداد السلولي، وخالد بن نهيك الكندي، والأبرد بن ربيعة الكندي، واستفحل أمر شبيب، وتزلزل له عبد الملك بن مروان، ووقع الرعب في قلوبهم من شبيب، وحار الحجاج، فكان يقول: أعياني شبيب.
[سنة سبع وسبعين]
فيها توفي أبو تميم الجيشاني عبد الله بن مالك بمصر، وشريح القاضي بالكوفة، وفيه خلاف.
وفيها سار شبيب بن يزيد، فنزل المدائن، فندب الحجاج لقتاله أهل الكوفة كلهم، عليهم زهرة بن حوية السعدي، شيخ كبير قد باشر الحروب، وبعث إلى حربه عبد الملك من الشام سفيان بن الأبرد، وحبيبا الحكمي في ستة آلاف، ثم قدم عتاب بن ورقاء على الحجاج مستعفيا من عشرة المهلب بن أبي صفرة، فاستعمله الحجاج على الكوفة، ولجمع جميع الجيش خمسين ألفا، وعرض شبيب بن يزيد جنده بالمدائن، فكانوا ألف رجل، فقال: يا قوم إن الله كان ينصركم وأنتم مائة أو مائتان، فأنتم اليوم مئون.
ثم ركب، فأخذوا يتخلفون عنه ويتأخرون، فلما التقى الجمعان تكامل مع شبيب ست مائة، فحمل في مائتين على ميسرة الناس فانهزموا، واشتد القتال، وعتاب بن ورقاء جالس هو وزهرة بن حوية على طنفسة في القلب، فقال عتاب: هذا يوم كثر فيه العدد وقل فيه الغنى، والهفي على خمسة مائة من رجال تميم.
وتفرق عن عتاب عامة الجيش، وحمل عليه شبيب، فقاتل عتاب ساعة وقتل، ووطئت الخيل زهرة فهلك، فتوجع له شبيب لما رآه صريعا، فقال له رجل من قومه: والله يا أمير المؤمنين إنك لمنذ الليلة لمتوجع لرجل من الكافرين؟ قال: إنك لست أعرف بصلاتهم مني، إني أعرف من قديم