أذْكِرْهُمُ الودَّ إنْ صدُّوا وإنْ صَدَفوا … إنّ الكرام إذا استعطفْتهُمُ عطفوا
ولا تُرد شافعًا إلاّ هواك لهم … كفاك ما اختبروا منه وما كشفوا
يا حيرة القلب والفسطاطُ دارُهم … لَمْ تصقب الدّار ولكنْ أصقب الكلفُ
فارقتُكُم مُكرهًا والقلب يخبرني … أن ليس لي عوضٌ عنكم ولا خلفُ
ولو تعوَّضتُ بالدّنيا غُبنتُ وهل … يُعوِّضني عَنْ نفس الجوهر الصدفُ
ولَسْتُ أُنكر ما يأتي الزّمان بِهِ … كُلّ الورى لرزايا دهرهم هرفُ
ولا أسفتُ لأمرٍ فات مطلبه … لكن لفرقةِ من فراقته الأسفُ
الملكُ الصالح الهادي الَّذِي شهِدَتْ … بفضل أيامه الأنباءَ والصُحفُ
ملكٌ أقلّ عطاياه الغِنى فإذا … أدناكَ منه فأدنى حظك الشرفُ
سعتْ إلى زُهده الدُّنْيَا بزُخْرُفها … طَوْعًا وفيها عَلَى خطابها صلفُ
مسهدُ وعيونُ النّاس هاجعةٌ … عَلَى التهجدِ والقرآنِ معتكفُ
وتُشرق الشمس من لألاء غُرتهِ … فِي دَسْتِهِ فتكاد الشمس تنكسفُ
فأجابه الصالح، وكان يجيد النظم:
آدابُك الغُرّ بحرٌ ما لَهُ طرفُ … فِي كل حين بدا من حُسنه طُرفُ
نقول لما أتانا ما بعثتَ بِهِ … هَذَا كتابٌ أتى أمْ روضةٌ أنُفُ
إذا ذكرناك مجدَ الدّين عاوَدَنا … شوقٌ تجدَّد منه الوجدُ والأسفُ
يا مَن جفانا ولو قد شاء كان الى … جانبنا دون أهلِ الأرض ينعطفُ
وهي طويلة.
ولأسامة (١):
مع الثمانين عاث الضعفُ فِي جسدي … وساءني ضعفُ رِجْلي واضطرابُ يدي
إذا كتبتُ فخطي خطُّ مضطربٍ … كخطّ مُرْتَعِشِ الكفَّين مُرْتَعدِ
فاعْجب لضَعْفِ يدي عَنْ حَمْلها قَلَمًا … من بَعْد حطمِ القَنَا فِي لبَّةِ الأسدِ
وإن مشيتُ وَفِي كفّي العصا ثقُلَتْ … رِجلي كأنّي أخوضُ الوحل فِي الجلدِ
فقُلْ لمن يتمنّى طول مدَّتِهِ … هذي عواقبُ طُولِ العُمرِ والمُدد
ولما قدِم من حصن كِيفا عَلَى صلاح الدّين قَالَ:
(١) ينظر الاعتبار لأسامة ١٦٣ - ١٦٤.