للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَمِدْتُ عَلَى طول عُمري المَشِيبا … وإنْ كنتُ أكثرتُ فِيهِ الذُّنوبا

لأنّي حييتُ إلى أن لقيت … بعد العدو صديقًا حبيبا

وَلَهُ:

لا تَستعِرْ جلَدًا عَلَى هجرانهم … فقِواك تضعفُ عَنْ صدود دائمِ

واعلم بأنك إن عدت إليهم … طَوْعًا وإلّا عُدت عَودة راغمِ

وعندي لَهُ مجلَّدٌ يخبر فِيهِ بما رَأَى منَ الأهوال، قَالَ: حضرت منَ المصافّات والوقعات مَهْولَ أخطارِها، واصْطَليت من سعير نارِها، وباشرتُ الحربَ، وأنا ابن خمس عشرة سنة إلى أن بلغت مدى التّسعين، وصرتُ منَ الخوالِفِ، خَدِين المنزل، وعن الحروب والجهاد بمعزِل، لا أُعدُّ لِمُهِمّ، ولا أُدعى لدفاع مُلِمّ، بعدما كنتُ أوّل من تنثني عليه الخناصر، وأكبر العددِ لدفع الكبائر، أول من يتقدَّم السَّنْجَقِيَّة عِنْد حملة الأصحاب، وآخر جاذب عِنْد الجولة لحماية الأعقاب.

كم قَدْ شهدت منَ الحروب فليتني … فِي بعضها مِن قبل نكسي أقتلُ

فالقتلُ أحسن بالفتى من قبل أن … يفنى ويُبليه الزمانُ وأجملُ

وأبيكَ ما أحجمتُ عَنْ خوض الرَّدى … فِي الحرب شهد لي بذاك المفصلُ

لكن قضاء اللَّه أخَّرني الى … أجلي الموقت لي فماذا أفعلُ

ثُمَّ أَخَذَ يعدّ ما حضره منَ الوقعات الكبار، قَالَ: فَمنْ ذَلِكَ وقعة كَانَ بيننا وبين الإسماعيلية فِي قلعة شيزر لما توثبوا على الحصن في سنة سبعٍ وخمسمائة (١)، ووقعة كَانَتْ بَيْنَ عسكر حماة وعسكر حمص في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، ومصاف عَلَى تِكْريت بَيْنَ أتابَك زنكي بْن آقسنقر، وبَيْنَ قُراجا صاحب مرس فِي سنة ستٍّ وعشرين، ومصاف بَيْنَ المسترشد بِاللَّه وبَيْنَ أتابك زنكي على بغداد في سبعٍ وعشرين، ومصاف بَيْنَ أتابَك زنكي وبَيْنَ الأرتقيَّة وصاحب آمِد عَلَى آمد فِي سنة ثمانٍ وعشرين، ومصاف عَلَى رَفَنية (٢) بَيْنَ أتابَك زنكي وبَيْنَ الفِرَنج سنة إحدى وثلاثين، ومصاف عَلَى قِنَّسْرين بَيْنَ أتابَك وبَيْنَ الفِرَنج لَمْ يكن فيه لقاء في سنة اثنتين وثلاثين، ووقعة بَيْنَ


(١) ذكر ابن الأثير هذه الوقعة في حوادث سنة ٥٠٢ (الكامل ١٠/ ٤٧٢).
(٢) مدينة من أعمال حمص، كما في معجم البلدان.