للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعلَّ الذي يؤيد رأينا هذا ويزيده قوةً هو أن الذهبيَّ لا يقتصر في إطلاق لفظ "الطبقة" على التراجم حسب، بل يطلقه - أيضًا - على الحوادث وهي متسلسلة وبعيدة تمامًا عن مكانها، فقد قال في نهاية حوادث سنة (٥٥٠ هـ) من النسخة التي بخطه: "آخر الطبقة الخامسة والخمسين والحمد لله" (١)، فإذا كان مفهوم الطبقة يُرادُ به تحديد جماعة من الناس فكيف يصحُّ إطلاقُه على الحوادث؟!

قد توصلنا إذن إلى أنَّ مفهومَ "الطبقة" في كتاب "تاريخ الإسلام" يعني "العقد". ويحق للقارئ الباحث بعد كل هذا الذي أطلنا القولَ فيه، ودللنا عليه أنْ يتساءلَ عن سبب تنظيم الذهبي كتابه على "عقود" فنقول عندئذ: إنَّ ذلك لم يكن إلا لحاجةٍ تنظيمية استشعرها الذهبيُّ لا سيما في الفترة الأولى من كتابه التي تمتد إلى سنة (٣٠٠ هـ) حيث لم تتوافر فيها لديه وفيات عدد كبير من المترجَمين بصورة دقيقة. فلم يكن ليستطيع أنْ ينظم وفياتهم حسب السنين، وإذا ما رَتَّبهم كذلك فإنه سوف يضطر لإعادةِ ذِكْرِ الشخصِ أكثرَ من مرة استنادًا إلى الاختلافِ الحاصل في تاريخ وفاته، وهي الطريقة التي اتبعها حينما نظم الوفيات على السنين اعتبارًا من سنة (٣٠١ هـ). وقد أشار الذهبي إلى ذلك في مقدمة كتابه حينما قال: "ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي، بل اتَّكَلُوا على حفظهم، فذهبت وفيات خَلْقٍ من الأعيان من الصحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعي فكتبنا أسمائهم على الطبقات تقريبًا" (٢).

إنَّ عدمَ توافر تواريخ وفيات المترجَمين في الفترة الأولى من تاريخ الإسلام بصورة دقيقة من جهة، وقلتهم من جهة أخرى (٣) دفعت الذهبيَّ إلى


(١) الورقة ٤٥ (أيا صوفيا ٣٠١٠).
(٢) تاريخ الإسلام، ١/ ١٠ (من طبعتنا).
(٣) اعتذر الذهبي عن قلة ما هو مذكور من التراجم في السنين الأولى من كتابه فقال في أثناء السنة الأولى للهجرة: "والسبب في قلة من توفي في هذا العام وما بعده من السنين أن المسلمين كانوا قليلين بالنسبة إلى مَنْ بعدهم، فإن الإسلام لم يكن إلا ببعض الحجاز أو من هاجر إلى الحبشة. وفي خلافة عمر - بل وقبل - انتشر الإسلام في الأقاليم، فبهذا يظهر لك قلة مَنْ توفي في صدر الإسلام وسبب كثرة من توفي في زمن التابعين فمن بعدهم" تاريخ الإسلام ١/ ٢٠ وقال في آخر سنة ٢٨ هـ من كتابه: "وقل من مات وضبط موته في هذه السنوات كما ترى" ٢/ ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>