للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثلاثاً، فقال: قد شهدنا عليك، ثم بدا له بعد فأعادها، فشهد عليه الحسن، ففرق بينهما، فأنشأ الفرزدق يقول:

ندمت ندامة الكسعي لما … مضت مني مطلقة نوار (١)

وكانت جنتي فخرجت منها … كآدم حين أخرجه الضرار

فلو أني ملكت يدي وقلبي … لكان علي للقدر الخيار

وروى الأصمعي وغيره أن النوار ماتت، فخرج الحسن في جنازتها، فقال الفرزدق: يا أبا سعيد، يقول الناس حضر هذه الجنازة خير (٢) الناس وشر الناس! فقال الحسن: لست بخير الناس ولست بشرهم، ما أعددت لهذا اليوم يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة، وفي رواية: منذ سبعين سنة، فقال الحسن: نعم العدة، ثم أنشأ الفرزدق يقول:

أخاف وراء القبر إن لم يعافني … أشد من القبر التهاباً وأضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائدٌ … عنيفٌ وسواقٌ يسوق الفرزدقا

لقد خاب من أولاد آدم من مشى … إلى النار مشدود القلادة أزرقا (٣)

وفي رواية:

يساق إلى نار الجحيم مسربلاً … سرابيل قطرانٍ لباساً مخرقاً

إذا شربوا فيها الحميم رأيتهم … يذوبون من حر الصديد تمزقا

قال: فأبكى الناس.

وللفرزدق مما رواه أبو محمد بن قتيبة:

إن المهالبة الكرام تحملوا … دفع المكاره عن ذوي المكروه

زانوا قديمهم بحسن حديثهم … وكريم أخلاقٍ بحسن وجوه

أبو العيناء: حدثنا أبو زيد النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء قال: حضرت الفرزدق وهو يجود بنفسه، فما رأيت أحسن ثقةً بالله منه، قال: وذلك في أول سنة عشرٍ ومائة، فلم أنشب أن قدم جرير من اليمامة، فاجتمع إليه الناس، فما أنشدهم ولا وجدوه كما عهدوه، فقلت له في ذلك، فقال:


(١) الكسعي: رجل يضرب به المثل في الندامة.
(٢) في أ: "خيار"، وما هنا من النسخ الأخرى.
(٣) القلادة: الطوق. وينظر الأغاني ٢١/ ٣٩١.