قال ابن أبي الدّنيا وغيره: حدثنا عليّ بن حرب الطّائي، قال: أخبرنا أبو أيوب يعلى بن عمران البجلي، قال: حدّثني مخزوم بن هانئ المخزومي، عن أبيه، وكان قد أتت عليه مائة وخمسون سنة، قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلمّا أصبح كسرى أفزعه ما رأى من شأن إيوانه فصبر عليه تشجّعا، ثم رأى أن لا يستر ذلك عن وزرائه ومرازبته، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم، فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلاّ أن يخبرنا الملك، فبينا هم على ذلك أورد عليهم كتاب بخمود النّار، فازداد غمّا إلى غمّه، فقال الموبذان: وأنا قد رأيت - أصلح الله الملك - في هذه اللّيلة رؤيا، ثم قصّ عليه رؤياه فقال: أيّ شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدث يكون في ناحية العرب، وكان أعلمهم في أنفسهم، فكتب كسرى عند ذلك:
من كسرى ملك الملوك إلى النّعمان بن المنذر، أما بعد، فوجّه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه. فوجّه إليه بعبد المسيح بن حيّان بن بقيلة الغسانيّ، فلما قدم عليه قال له: هل لك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليسألني الملك فإن كان عندي علم وإلا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال: فائته فسله عما سألتك وائتني بجوابه، فركب حتى أتى على