للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن إسحاق (١): حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن معبدا الخزاعي مر برسول الله وهو بحمراء الأسد. وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله ، صفوهم معه لا يخفون عليه شيئا كان بها. ومعبد يومئذ مشرك. فقال: يا محمد، والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله عافاك فيهم. ثم خرج حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة وقالوا: أصبنا حد أصحاب محمد وقادتهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك؟ قال: محمد قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم. قال: فإني أنهاك ذاك، والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا. قال: وما قلت؟ قال:

كادت تهد من الأصوات راحلتي … إذ سالت الأرض بالجرد (٢) الأبابيل

تردي بأسد كرام لا تنابلة … عند اللقاء، ولا ميل معازيل (٣)

فظلت عدوا أظن الأرض مائلة … لما سموا برئيس غير مخذول

فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم … إذا تغطمطت البطحاء بالجيل (٤)

إني نذرت لأهل البسل ضاحية … لكل ذي إربة منهم ومعقول (٥)


= الجامع حديث (١٧١٧٨).
(١) ابن هشام ٢/ ١٠٢ - ١٠٣، ودلائل النبوة ٣/ ٣١٥ - ٣١٧.
(٢) الجُرد: الفرس القصير الشعر، والأبابيل: الجماعات.
(٣) تردي: تُسرع. الميل: الذي لا رمح أو لا تُرس معه، وقيل: هو الذي لا يثبتُ على السرج. والمعازيل: الذين لا سلاح معهم.
(٤) تعطعطت: اضطربت. والجيل: الصنف من الناس.
(٥) أهل البسل: قريش لأنهم أهل مكة، ومكة حرام. والضاحية: البارزة للشمس. والإربة: العقل.