للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمسى فيه قتل، فازدحم الناس في أبوابه، ومات جماعة ومرّوا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون أين يذهبون، فماتوا في الطرقات جوعًا وعطشًا، وأخرب السّور والجامع، وهدم حولها أربعة وخمسين حصنًا، أخذ منها بالأمان جملة ومنها بالسيف. انتهى قول ثابت.

ولما عاد إلى بلاده أعاد سيف الدولة عين زربة إلى بعض ما كانت، وظنّ أنّ الدمستق لا يعود إلى البلاد في العام فلم يستعد، فبينا هو غافل وإذا بالدّمستق قد دهمه ونازل حلب ومعه ابن أخت الملك، فخرج إليه وحاربه، والدمستق في مائتي ألف بالرجالة وأهل الحصار، فلم يقو به سيف الدولة وانهزم في نفر يسير. وكانت داره بظاهر حلب، فنزلها الدمستق وأخذ منها لاثمائة وتسعين بدرة دراهم، وألفًا وأربعمائة بغل، ومن السلاح ما لا يحصى، فنهبها ثم أحرقها، وملك ربض حلب. وقاتله أهل حلب من وراء السور، فقتلوا جماعة من الروم، فسقطت ثلمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم، فأكبّت الروم على تلك الثلمة، فدافع المسلمون عنها، فلما كان الليل بنوها، ولما أصبحوا صعدوا عليها وكبّروا، فعدل الروم عنها إلى جبل جوشن فنزلوا به، ومضى رجالة الشرط بحلب إلى بيوت الناس فنهبوها، فقيل لمن على السور: الحقوا منازلكم، فنزلوا وأخلوا السور، فتسورته الروم ونزلوا ففتحوا الأبواب ودخلوها، فوضعوا السيف في الناس حتى كلّوا وملّوا، وسبوا أهلها وأخذوا ما لا يحصى، وأخربوا الجامع، وأحرقوا ما عجزوا عن حمله، ولم ينج إلاّ من صعد القلعة.

ثم ألحّ ابن أخت الملك في أخذ القلعة، حتى أنه أخذ سيفًا وترسًا وأتى إلى القلعة، ومسلكها ضيّق لا يحمل أكثر من واحد، فصعد وصعدوا خلفه. وكان في القلعة جماعة من الديلم، فتركوه حتى قرب من الباب وأرسلوا عليه حجرًا أهلكه، فانصرف به خواصّه إلى الدّمستق، وكان قد أسر من أعيان حلب ألفًا ومائتين فضرب أعناقهم بأسرهم، وردّ إلى أرض الروم ولم يؤذ أهل القرى، وقال لهم: ازرعوا فهذا بلدنا، وبعد قليل نعود إليكم.

واقعة حلب من تاريخ علي بن محمد الشمشاطي (١)


(١) منسوب إلى شِمْشاط، مدينة بالروم على شاطئ الفرات، وهي غير سُمَيْساط. وكان علي بن محمد هذا حيًا عندما ألف ابن النديم كتابه (الفهرست ٧٢ ١)، وهي سنة ٣٧٧ (معجم الأدباء ٤/ ١٩٠٧)، وكان معلم أبي تغلب ابن ناصر الدولة بن حمدان وأخيه، ثم =