تذكر له درسًا، وتقع بينكم خصومات، وأنت وحيد لا يطيب عيشك.
فقال: إنّما أحببته وطلبته لما ظهر من دينك وعلمك. قال: أنا أدلّك على من هو خيرٌ منّي، الشّيخ أبو إسحاق.
فقال: يا سيدّي، إنّي لا أعرفه. فقال: أنا أمضي معك إليه.
فقام معه وحمله إليه، فخرج الشّيخ أبو إسحاق إليه، واحترمه وعظّمه، وبالغ.
وكان الوزير نظام الملك يثني على الشّيخ أبي إسحاق ويقول: كيف لنا مع رجلٍ لا يفرِّق بيني وبين بهروز الفرّاش في المخاطبة؟ لمّا التقيت به قال: بارك الله فيك. وقال لبهروز لما صبّ عليه الماء: بارك الله فيك!.
وقال الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمذانيّ: حكى أبي، قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماورديّ عزاء النّابتيّ قبل سنة أربعين، فتكلَّم الشّيخ أبو إسحاق وأجاد، فلّما خرجنا قال الماورديّ: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشّافعيّ لتجمَّل به.
أخبرنا ابن الخلاّل، قال: أخبرنا جعفر، قال: أخبرنا السِّلفيّ، قال: سألت شجاعًا الذُّهليّ، عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشّافعي، والمقدَّم عليهم في وقته ببغداد. كان ثقة، ورعًا، صالحًا، عالمًا بمعرفة الخلاف، علمًا لا يشاركه فيه أحد.
أنبؤونا عن زين الأمناء قال: أخبرنا الصّائن هبة الله بن الحسن، قال: أخبرنا محمد بن مرزوق الزَّعفرانيّ قال: أنشدنا أبو الحسن عليّ بن فضّال القيروانيّ لنفسه في التنّبيه، للإمام أبي إسحاق:
أكتاب التّنبيه ذا، أم رياض … أم لآلئ فلونهنّ البياض
جمع الحسن والمسائل طرًّا … دخلت تحت كلّه الأبعاض
كلُّ لفظٍ يروق من تحت معنًى … جرية الماء تحته الرَّضراض
قلَّ طولًا، وضاق عرضًا مداه … وهو من بعد ذا الطّوال العراض
يدع العالم المسمَّى إمامًا … كفتاةٍ أتى عليها المخاض
أيُّها المدّعون ما ليس فيهم … ليس كالدُّرّ في العقود الحضاض
كلُّ نعمى عليَّ يا ابن عليٍّ … أنا إلاّ بشكرها نهّاض
ما تعدَّاك من ثنائي محالُ … ليس في غير جوهرٍ أعراض