للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مفسد وكل حرامي، وأهلكوا العباد والبلاد.

ونزل على جزيرة باشو (١) وهي بقرب تونس، تشتمل على قرى كثيرة، فطلب أهلها الأمان فأمنهم. فلما دخل عسكره نهبوها وسلبوا الناس، وامتدت أيديهم إلى الحريم والصبيان، والله المستعان.

وأقام ابن غانية بإفريقية الخطبة العباسية، وأرسل إلى الناصر لدين الله يطلب منه تقليدًا بالسلطنة. ونازل قفصة في سنة اثنتين وثمانين، فتسلمها من نوّاب ابن عبد المؤمن بالأمان وحصنها. فجهّز يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن جيوشه.

وسار في سنة ثلاث لحربه، فوصل إلى تونس، وبعث ابن أخيه في ستة آلاف فارس، فالتقوا، فانهزم الموحدون؛ لأنهم كان معهم جماعة من الترك، فخامروا عليهم حال المصاف، وقتل جماعة من كبار الموحدين. وكانت الوقعة في ربيع الأول سنة ثلاث.

فسار يعقوب بنفسه، فالتقوا في رجب بالقرب من مدينة قابس فانهزم ابن غانية، واستحر القتل بأصحابه فتمزّقوا، ورجع يعقوب إلى قابس فافتتحها، وأخذ منها أهل قراقوش، فبعثهم إلى مراكش.

ونازل قفصة فحاصرها ثلاثة أشهر وبها الترك، فتسلّموها بالأمان. وبعث بالأتراك ففرقهم في الثغور لما رأى من شجاعتهم. وقتل طائفةً من الملثمين، وهدم أسوار قفصة، وقطع أشجارها.

واستقامت له إفريقية بعدما كادت تخرج عن بيت عبد المؤمن. وامتدت أيام ابن غانية إلى حدود عام ثلاثين وستمائة.

وفي جمادى الأولى جمع السلطان الجيوش، وسار إلى الكرك فنازلها، ونزل بواديها، ونصب عليها تسعة مجانيق قدّام الباب، فهدّمت السور، ولم يبق مانع إلاّ الخندق العميق، فلم تكن حيلة إلاّ ردمه، فضرب اللّبن، وجمعت الأخشاب، وعملوا مثل درب مسقوف يمرّون فيها، ويرمون التراب في الخندق، إلى أن امتلأ، بحيث إنّ أسيرًا رمى بنفسه من السور إليه ونجا.

وكاتبت الفرنج من الكرك سائر ملوكهم وفرسانهم يستمدّون بهم، فأقبلوا من كلّ فجّ في حدّهم وحديدهم، فنزلوا بمضايق الوادي، فرحل السلطان، ونزل على البلقاء، وأقام ينتظر اللقاء. فما تغيّروا، فتقهقر عن حسبان فراسخ، فوصلوا إلى الكرك، فقصد السلطان الساحل لخلوّه، ونهب كلّ ما في طريقه، وأسر وسبى، فأكثر وبدّع بسبسطيَة وجينين، ثم قدم دمشق.


(١) في أ: "باشر له"، وفي المطبوع من الكامل لابن الأثير ١١/ ٥٢٠: "باشرا" لكنها وردت على الصواب في نسخة أخرى فلم يوفق المحقق بحيث رجح الخطأ على الصواب من غير دليل، وما أثبتناه يعضده ما نص عليه ياقوت في معجم البلدان ١/ ٣٢٤.