للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدخول إليه، ثم أطلق بعد انسلاخ شوال. نعم.

وذكره ابن النجار، فقال: قرأ الخلاف على أبي محمد بن أبي علي النوقاني الشافعي. ودرس بمدرسة جده. وبنيت له دكةٌ بجامع القصر للمناظرة، وجلس للوعظ. وكان له قبولٌ تام، ويحضره خلقٌ كثير. وأذن له في الدخول على الأمير أبي نصر محمد ابن الإمام الناصر في كل جمعة لسماع مسند الإمام أحمد منه بإجازته من أبيه الناصر، فحصل له به أنسٌ. فلما استخلف، قلده القضاء في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين، فسار السيرة الحسنة، وسلك الطريقة المستقيمة، وأقام ناموس الشرع، ولم يحاب أحداً في دين الله. وكان لا يمكن أحداً من الصياح بين يديه. ويمضي إلى الجمعة ماشياً. ويكتب الشهود من دواته في مجلسه. فلما أفضت الخلافة إلى المستنصر أقره أشهراً، ثم عزله. روى الكثير. وكان ثقةً متحرياً، له في المذهب اليد الطولى. وكان لطيفاً، متواضعاً، مزاحاً، كيساً. وكان مقداماً رجلاً من الرجال، سمعته يقول: كنت في دار الوزير القمي وهناك جماعةٌ، إذ دخل رجلٌ ذو هيئةٍ، فقاموا له وخدموه، فقمت، وظننته بعض الفقهاء، فقيل: هذا ابن كرم اليهودي عامل دار الضرب، فقلت له: تعال إلى هنا، فجاء ووقف بين يدي، فقلت له: ويلك، توهمتك فقيهًا (١)، فقمت إكراماً لذلك، ولست - ويلك - عندي بهذه الصفة، ثم كررت ذلك عليه. وهو قائم يقول: الله يحفظك، الله يبقيك، ثم قلت: اخسأ هناك بعيداً عنا. فذهب.

قال: وحدثني أنه رسم له برزقٍ من الخليفة، وأنه زار - يومئذٍ - قبر الإمام أحمد، فقيل لي: دفع رسمك إلى ابن توما النصراني، فامض إليه فخذه، فقلت: والله لا أمضي ولا أطلبه، فبقي ذلك الذهب عنده إلى أن قتل - لعنه الله - في السنة الأخرى، وأخذ الذهب من داره فنفذ إلي.

توفي في سادس عشر شوال، ودفن في الدكة التي لقبر الإمام أحمد بن حنبل. وقيل: بل دفن معه في قبره، تولى ذلك الرعاع والعوام، فقبض على من فعل ذلك وعوقب وحبس. ثم نبش أبو صالح ليلاً بعد أيام، ولم يعلم أين دفن؟ .


(١) في الأصل: "فقيه".