بالقطع الكبير، فمما فيها بالمعنى أن صلاح الدّين قدم به أبوه وهو رضيع، فناب أبوه ببعلبك لما أخذها الأتابك زنكي في سنة ثلاثٍ وثلاثين.
وقيل: إنهم خرجوا من تكريت في الليلة التي ولد فيه صلاح الدّين، فتطيروا به، ثم قال بعضهم: لعل فيه الخيرة، وأنتم لا تعلمون.
ثم خدم نجم الدّين أيوب وولده صلاح الدّين السّلطان نور الدين، وصيرهما أميرين، وكان أسد الدّين شيركوه أخو نجم الدّين أرفع منهما منزلةً عنده، فإنه كان مقدَّم جيوشه، ووليّ صلاح الدّين وزارة مصر، وهي كالسلطنة في ذلك الوقت، بعد موت عمه أسد الدّين سنة أربع وستين، فلما هلك العاضد في أول سنة سبع، استقل بالأمر، مع مُداراة نور الدّين ومراوغته، فإن نور الدّين عزم على قصد مصر ليقيم غيره في نيابته، ثم فتر، ولما مات نور الدّين سار صلاح الدّين إلى دمشق مظهرًا أنه يقيم نفسه أتابكًا لولد نور الدّين لكونه صبيًا، فدخلها بلا كلفة، واستولى على الأمور في سلخ ربيع الأول سنة سبعين، ونزل بالبلد بدار أبيه المعروفة بالشريف العقيقي التي هي اليوم الظاهرية، ثم تسلم القلعة، وصعد إليها، وشال الصبي من الوسط، ثم سار فأخذ حمص، ولم يشتغل بأخذ قلعتها، في جمادى الأولى، ثم نازل حلب في سلخ الشهر، وهي الوقعة الأولى، فجهز السّلطان غازي بن مودود أخاه عز الدّين مسعود في جيش كبير لحربه، فترحل عن حلب، ونزل على قلعة حمص فأخذها، وجاء عز الدّين مسعود، فأخذ معه عسكر حلب، وساق إلى قرون حماة، فراسلهم وراسلوه، وحرص على الصلح فأبوا، ورأوا أن المصاف معه ينالون به غرضهم لكثرتهم، فالتقوا، فكانت الهزيمة عليهم، وأسر جماعة، وذلك في تاسع عشر رمضان، ثم ساق وراءهم، ونزل على حلب ثانيًا، فصالحوه وأعطوه المعرة، وكفرطاب، وبارين.
وجاء صاحب الموصل غازي فحاصر أخاه عماد الدّين زنكي بسنجار، لكونه انتمى إلى صلاح الدّين، ثم صالحه لما بلغ غازي كسرة أخيه مسعود، ونزل بنصيبين، وجمع العساكر، وأنفق الأموال، وعبر الفرات، وقدم حلب، فخرج إلى تلقيه ابن عمه الصالح ابن نور الدين، وأقام على حلب مدة، ثم كانت وقعة تل السلطان، وهي منزلة بين حلب وحماة، جرت بين صلاح الدّين وبين غازي صاحب الموصل في سنة إحدى وسبعين، فنصر صلاح الدّين، ورجع غازي فعدى الفرات، وأعطى صلاح الدّين لابن أخيه عز الدّين فرخشاه