الدور، فرآهم طائفة أخرى، ففعلوا كفعلهم، فخلا مكانهم من السور، فصعدت الفرنج على السلالم، ووضعوا فيهم السيف ثلاثة أيام، وقتلوا ما يزيد على مائة ألف، وملكوا جميع ما فيها.
وساروا إلى عرقة، فحصروها أربعة أشهر، ونقبوا أماكن، ثم صالحهم عليها صاحب شيزر ابن منقذ، فساروا ونازلوا حمص، ثم صالحهم جناح الدولة على طريق إلى عكا.
وفيها شغب الجند على السلطان بركياروق وقالوا: لا نسكت لك حتى تسلم إلينا مجد الملك القمي المستوفي - وكان قد أساء السيرة، وضيق أرزاقهم -، فقال القمي: نفسي فداؤك دعهم يقتلوني ويبقى عليك ملكك، فقال: والله لا مكنتهم منك، وعزم على إخفائه، فقيل له: متى خرج عنك قتلوه، ولكن اشفع فيه، فبعثه وقال للأمراء: السلطان يشفع إليكم فيه، فثاروا به وقتلوه، ثم جاؤوا وقبلوا الأرض بين يدي بركياروق، فسكت.
وقال أبو يعلى: وفيها سار أمير الجيوش أحمد حتى نازل بيت المقدس وحاصره، وأخذه من سقمان بن أرتق.
[سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة]
لما سار السلطان بركياروق إلى خراسان، استعمل أنر على فارس وبلادها، وكان قد غلب عليها خوارج الأعراب، واعتضدوا بصاحب كرمان ابن قاروت، فالتقاهم أنر، فهزموه وجاء مفلولاً، ثم ولي إمارة العراق، يعني من قبل بركياروق، فأخذ يكاتب الأمراء المجاورين له، وعسكر بأصبهان، ثم سار منها إلى إقطاعه بأذربيجان، وقد عاد، وانتشرت دعوة الباطنية بأصبهان، فانتدب لقتالهم، وحاصر قلعة لهم بأرض أصبهان، واتصل به مؤيد الملك ابن نظام الملك، وجرت له أمور، ثم كاتب غياث الدين محمد بن ملكشاه، وهو إذ ذاك بكنجة، ثم سار إلى الري في نحو عشرة آلاف، وهم بالخروج على بركياروق، فوثب عليه ثلاثة فقتلوه في رمضان بعد الإفطار، فوقعت الصيحة، ونهبت خزائنه، وتفرق جمعه، ثم نقل إلى أصبهان، فدفن في داره.