للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصير سكران، وعلى رأسه غلام يروحه. فلما رآني الغلام نبهه، فقام ولبني، وقال: تحسن تقول مثلي؟ ثم أنشدني:

أما ترى راهب الأسحار قد هتفا … وحث تغريده لما علا الشعفا

أوفى يصيغ إلى فانوس مغرقة … كغرة التاج لما عولي الشرفا

مشنف بعقيق فوق مذبحه … هل كنت في غير أذن تعهد الشنفا

لما أراحت رعاة الليل عارية … من الكواكب كادت ترتقي السدفا

هز اللواء على ما كان من سنة … فارتج لما علاه اهتز ثم هفا

ثم استمر كما كان غنى على طرب

مزيج شرب على تغريده وصفا … وقام مختلفا كالبدر مطلعا

والريم ملتفتا والغصن منعطفا … رقت غلالة خديه فلو رميا

باللحظ أو بالمنى هما بأن يكفا … كأن قافا أديرت فوق وجنته

واختط كاتبها من فوقها ألفا … فاستل راحا كبيض واقعت جحفا

حلا لنا أو كنار صادفت سعفا … فلم أزل من ثلاث واثنتين ومن

خمس وست وما استعلى وما لطفا … حتى توهمت نوشروان لي خولا

وخلت أن نديمي عاشر الخلفا

قال: فلم أزل به حتى نومته وخرجت، فقيل لي: إنما قلنا لك: تنهه (١)، قلت: دعه ينام، فإني إن أنبهته تجرمنا عشرة آلاف كبيرة.

وقيل: إن ديك الجن كان له غلام وجارية مليحان، وكان يهواهما. فدخل يوما فرآهما في لحاف معتنقين، فشد عليهما فقتلهما، ثم سقط في يده، وجلس عند رأس الجارية يبكي ويقول:

يا طلعة طلع الحمام عليها … وجنى لها ثمر الردى بيديها

رويت من دمها الثرى ولطالما … روى الهوى شفتي من شفتيها

فوحق عينها (٢) ما وطئ الثرى … شيء أعز علي من عينيها (٣)

ما كان قتليها لأني لم أكن … أبكي إذا سقط الغبار عليها


(١) الأبيات في تاريخ دمشق ٣٦/ ٢٠٥، وأكثر الترجمة منهُ.
(٢) كذا في النسخ، وفي وفيات الأعيان ٣/ ١٨٦، والأغاني ١٤/ ٥٧ "نعليها" وهو المناسب لسياق البيت، وما هنا نقله المؤلف من تاريخ دمشق ٣٦/ ٢٠٦.
(٣) كذلك.