عليه وصله بثلاثة آلاف دينار وثلاثة أخراس مسرجة محلاة وثياب مفتخرة، ثم دس عليه من سأله: أين هذا العطاء من عطاء سيف الدولة؟ فقال: هذا أجزل إلا أنه عطاء متكلف، وسيف الدولة كان يعطي طبعًا. فغضب عضد الدولة، فلما انصرف جهّز عليه قومًا من بني ضبّة، فقتلوه بعد أن قاتل قتالًا شديدًا، ثم انهزم، فقال له غلامه: أين قولك:
الخيل والليل والبيداء تعرفني … والحرب والضرب والقرطاس والقلم
فقال: قتلتني، قتلك الله، ثم قاتل حتى قتل.
وقال ضياء الدين نصر الله ابن الأثير: سافرت إلى مصر ورأيت الناس يشتغلون بشعر المتنّبي، فسألت القاضي الفاضل، فقال: إنّ أبا الطيّب ينطق عن خواطر الناس.
وقال صاحب اليتيمة (١): استنشد سيف الدولة أبا الطيب قصيدته الميمية وكانت تعجبه، فلما قال له:
وقفت وما في الموت شك لواقف … كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة … ووجهك وضاح وثغرك باسم
فقال: قد انتقدنا عليك من البيتين كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادا للذة … ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل … لخيلي كري كرة بعد إجفال
كان الواجب أن يقول
كأني لم أركب جوادا ولم أقل … لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبأ الزق الروي للذة … ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولك أن تقول الشطر الثاني من البيت الثاني مع شطر الأول وشطره مع الثاني. فقال: أيّدك الله إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس أعلم بالشعر منه، فقد أخطأ امرؤ القيس وأنا، ومولانا يعرف أنّ الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك، لأن البزاز يعرف جملته، والحائك يعرف جملته وتفاريقه، لأنه هو الذي أخرجه من الغزل إلى الثّوبية، وإنّما قرن امرؤ القيس
(١) يتيمة الدهر ١/ ٣٣ - ٣٤.