للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر التلفّت، ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغت الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يداها، فلمّا استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدّخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره لا أضرهم، فناديتهما بالأمان، فوقفا لي وركبت فرسي حتىّ جئتهما، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما، أنّه سيظهر رسول الله ، فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيكما الدّية، وأخبرتهما أخبار ما يريد النّاس بهم، وعرضت عليهم الزّاد والمتاع، فلم يرزؤوني شيئا، ولم يسألني، إلاّ أن قال: أخف عنّا، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أدم (١)، ثم مضى رسول الله . أخرجه البخاري (٢).

وقال موسى بن عقبة: حدثنا ابن شهاب الزّهري، قال: حدّثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أنّ أباه أخبره، أنّ أخاه سراقة بن جعشم أخبره، ثم ساق الحديث، وزاد فيه: وأخرجت سلاحي ثمّ لبست لأمتي، وفيه: فكتب لي أبو بكر، ثمّ ألقاه إليّ فرجعت فسكتّ، فلم أذكر شيئا ممّا كان، حتى فتح الله مكة، وفرغ رسول الله من حنين خرجت لألقاه ومعي الكتاب، فدخلت بين كتيبة من كتائب الأنصار، فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك، حتى دنوت من رسول الله وهو على ناقته، أنظر إلى ساقه في غرزه كأنّها جمارة (٣)، فرفعت يدي بالكتاب فقلت: يا رسول الله هذا كتابك، فقال: يوم وفاء وبرّ ادن، قال: فأسلمت، ثمّ ذكرت شيئا أسال عنه رسول الله ، قال ابن شهاب: سأله عن الضّالّة وشيء آخر، قال: فانصرفت وسقت إلى رسول الله صدقتي (٤).

وقال البكّائيّ، عن ابن إسحاق (٥): حدّثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها


(١) أي: جلد مدبوغ.
(٢) البخاري ٥/ ٧٣ - ٧٨، ودلائل النبوة ٢/ ٤٨٦ - ٤٨٧.
(٣) الجمارة: قلب النخلة، شَبَّه ساقه بها لبياضها.
(٤) دلائل النبوة ٢/ ٤٨٧ - ٤٨٩.
(٥) ابن هشام ١/ ٤٧٨.