فابتدأ سير بملوك بني هود يستنزلهم من قلعة روطة، وهي منيعة إلى الغاية، وماؤها ينبوع في أعلاها، وبها من الذخائر المختلفة ما لا يوصف، فلم يقدر عليها، فرحل عنها، ثم جند أجنادا على زي الفرنج، وأمرهم أن يقصدوها كالمغيرين، وكمن هو والعسكر، ففعلوا ذلك، فرأى ابن هود قلتهم، فاستضعفهم، ونزل في طلبهم، فخرج عليه سير، فأسره وتسلم القلعة، ثم نازل بني طاهر بشرق الأندلس، فسلموا إليه، ولحقوا بالعدوة، ثم نازل بني صمادح بالمرية، فمات ملكهم في الحصار، فسلموا المدينة، ثم نازلوا المتوكل عمر بن الأفطس ببطليوس، فخامر عليه أصحابه، فقبضوا عليه، ثم قتل صبرا.
ثم إن سير كتب إلى ابن تاشفين أنه لم يبق بالجزيرة غير المعتمد فأمره أن يعرض عليه التحول إلى العدوة بأهله وماله، فإن أبى فنازله، فلما عرض عليه سير ذلك لم يجبه، فسار وحاصره أشهرا، ثم دخل عليه البلد قهرا، وظفر به، وبعثه إلى العدوة مقيدا، فحبس بأغمات إلى أن مات، وتسلم سير الجزيرة كلها.
وقال ابن دحية أو غيره: نزل يوسف على مدينة فاس في سنة أربع وستين وأربعمائة وحاصرها، ثم أخذها، فأقر العامة، ونفى البربر والجند عنها بعد أن حبس رؤوسهم، وقتل منهم، وكان مؤثرا لأهل العلم والدين، كثير المشورة لهم.
وكان معتدل القامة، أسمر، نحيفا، خفيف العارضين، دقيق الصوت، حازما، سائسا، وكان يخطب لبني العباس، وهو أول من تسمى بأمير المسلمين، وكان يحب العفو والصفح، وفيه خير وعدل.
وقال أبو الحجاج يوسف البياسي في كتاب تذكير الغافل: إن يوسف ابن تاشفين جاز البحر مرة ثالثة، وقصد قرطبة، وهي لابن عباد، فوصلها سنة ثلاثٍ وثمانين، فخرج إليه المعتمد بالضيافة، وجرى معه على عادته، ثم إن ابن تاشفين أخذ غرناطة من عبد الله بن بلقين بن باديس، وحبسه، فطمع ابن عباد في غرناطة، وأن يعطيه ابن تاشفين إياها، فعرض له بذلك، فأعرض عنه ابن تاشفين وخاف ابن عباد منه، وعمل على الانفصال عنه لا يمسكه، ورد ابن