للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عما في ضميرك من الخروج والتقدم على أبناء جنسك؟ فسكت، وسكت الجنيد ساعة، ثم أشار إلى أبي محمد الجريري أن قم، فقمنا، وتأخرنا قليلا، فأقبل الجنيد يتكلم عليه، وأقبل هو يعارضه، إلى أن قال: أي خشبة تفسدها؟ فبكى وقام، فتبعه الجريري إلى أن خرج إلى مقبرة وجلس، فقال لي أبو محمد الجريري: قلت في نفسي: هو في حدة شبابه واستوحش منا، وربما به فاقة. فقصدت صديقا لي فقلت: اشتر خبزا وشواء وفالوذج بسكر، واحمله إلى موضع كذا وكذا، مع ثلجية ماء وخلال، وقليل أشنان. وبادرت إليه، فسلمت وجلست عنده، وكان قد جعل رأسه بين ركبتيه، فرفع رأسه وانزعج، وجلس بين يدي، وأخذت ألاطفه وأداريه إلى أن جاء صديقي. ثم قلت له: تفضل. فمد يده وأكل قليلا. ثم قلت له: من أين القصد ومن أين الفقير؟ قال: من البيضاء، إلا أني ربيت بخوزستان والبصرة. فقلت: ما الاسم؟ قال: الحسين بن منصور. وقمت وودعته، ومضى على هذا خمس وأربعون سنة، ثم سمعت أنه صلب وفعل به ما فعل.

وقد ذكره السلمي في تاريخه، ثم قال: فهذه أطراف مما قال المشايخ فيه من قبول ورد، والله أعلم بما كان عليه. وهو إلى الرد أقرب.

وقد هتك الخطيب حال الحلاج في تاريخه الكبير، وشفى وأوضح أنه كان ساحرا مموها سيئ الاعتقاد (١).

فصل من ألفاظه

عليك بنفسك، إن لم تشغلها بالحق، شغلتك عن الحق.

وقيل: إنه لما صلب، يعني سنة إحدى وثلاث مائة، قال: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ وقال: حجبهم الاسم فعاشوا، ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا، ولو كشف لهم عن الحقائق لماتوا.

وقال: علامة العارف أن يكون فارغا عن الدنيا والآخرة.

قيل: هذا كلام نجس، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ الآية. وقال: لأفضل الأمة وهم الصحابة: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ فمن فرغ عن الدنيا والآخرة فهو والله مدع فشار وأحمق بطال، بل مريد للدنيا والآخرة.


(١) كتب الخطيب له ترجمة حافلة ٨/ ٦٨٨ - ٧٢٠.