ثم أتبعت ذلك برقعة أطلب الإذن بالاجتماع به، فكتب بخطه على ظهرها:
مرحبا مرحبا قدومك بالسعد … فقد أشرقت بك الآفاق
لو فرشنا الأحداق حتى تطأهن … لقلت في حقك الأحداق
وكان هذان البيتان مما حفظه عن جارية مغنية كنت أهديتها إليه، واتفق أن الرقعة وصلت مفتوحة بيد غلام جاهل، فلم تقع في يدي حتى وقف عليها الجماعة كلهم، وركبت إليه فأقمت عنده في المستنزه أربعة أيام، فما من الجماعة إلا من كتب إلى أهل زبيد بما يوجب سفك دمي، ولا علم لي، حسدا منهم وبغيا. وكان مما تمموا به المكيدة علي ونسبوه إلي، أن علي بن مهدي صاحب الدولة اليوم باليمن التمس من الداعي محمد بن سبأ أن ينصره على أهل زبيد، فسألني الداعي أن اعتذر عنه إلى علي بن مهدي لما كان بيني وبين ابن مهدي من أكيد الصحبة في مبادئ أمره، لأني لم أفارقه إلا بعيد أن استفحل أمره، وكشف القناع في عداوة أهل زبيد، فتركته خوفا على مالي وأولادي لأني مقيم بينهم. وحين رجعت إلى زبيد من تلك السفرة وجدت القوم قد كتبوا إلى أهل زبيد في حقي كتبا مضمونها: إن فلانا كان الواسطة بين الداعي وبين ابن مهدي على حربكم وزوال ملككم فاقتلوه. فحدثني الشيخ جياش قال: أجمع رأيهم على قتلك في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين. فجاءهم في الليل خبر محمد بن أبي الأعز (١) ونفاقه وزحفه على تهامة، فانزعجوا واشتغلوا، وخرجت حاجا بل هاجا إلى مكة سنة تسع. فمات أمير مكة هاشم بن فليتة، وولي الحرمين ابنه قاسم، فألزمني السفارة عنه إلى الدولة المصرية، فقدمتها في ربيع الأول سنة خمسين، والخليفة بها الفائز، والوزير الملك الصالح طلائع بن رزيك. فلما أحضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب أنشدتهما:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم … حمدا يقوم بما أولت من النعم
إلى آخرها.
وعهدي بالصالح يستعيدها في حال النشيد، والأستاذون وأعيان الأمراء