للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّه أسالُ أن يُطوِّلَ مُدَّتي … وأنَالَ بالأنعام ما فِي نيَّتي (١)

لي همةٌ فِي العِلْم ما من مِثْلها … وهي الّتي جَنَت النُّحُولَ هِيَ الّتي

كم كان لي من مجلسٍ لو شُبِّهَتْ … حالاتُه لتشبَّهَتْ بالجنَّةِ

فِي أبيات.

ونزل، فمرض خمسة أيّام، وتُوُفّي ليلة الجمعة بين العشاءين في الثالث عشر من رمضان في داره بقطفتا. وحدثتني والدتي أنها سمعته يقول قبل موته: أيش أعمل بطواويس، يردّدها، قد جبتم لي هَذِهِ الطّواويس، وحضر غسْله شيخنا ضياء الدّين ابن سُكَيْنة، وضياء الدّين ابن الحبير (٢) وقت السَّحَر، واجتمع أَهْل بغداد، وغُلِّقت الأسواق، وشدَدنا التّابوت بالحبال، وسلّمناه إِلَى النّاس، فذهبوا به إلى تحت التربة، مكان جلوسه، فصلّى عليه ابنه عليّ اتّفاقًا؛ لأنّ الأعيان لم يقدروا على الوصول إليه، ثُمَّ صلّوا عليه بجامع المنصور، وكان يومًا مشهودًا، لم يصل إِلَى حُفْرته بمقبرة أَحْمَد بْن حنبل إِلَى وقت صلاة الجمعة، وكان فِي تمّوز، فأفطر خلقٌ، ورموا نفوسهم فِي الماء.

قال (٣): وما وصل إِلَى حُفْرته من الكَفَن إلّا قليل.

قلت: وهذا من مجازفة أَبِي المظفّر.

قال: ونزل فِي حُفرته والمؤذّن يقول: اللَّه أكبر، وحزن النّاسُ وبكوا عليه بُكاءً كثيرًا وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات بالقناديل والشَّمْع، ورآه فِي تلك الليلة المحدّث أَحْمَد بْن سلمان الحربيّ الملقب بالسكر


(١) لم يرد في المطبوع من المرآة غير هذا البيت. والأبيات كاملة في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ١/ ٤٢٨ نقلًا عن سبط ابن الجوزي، وقد ذكرنا غير مرة أن الجزء الثامن من المطبوع باسم المرآة هو مختصر الكتاب، كما قرره شيخنا العلامة مصطفى جواد رحمه الله تعالى وأيدناه ودللنا عليه في تعليقاتنا على التكملة والسير وغيرهما.
(٢) هو ضياء الدين يحيى بن المظفر بن علي بن نعيم البغدادي البدري المعروف بابن الحُبير الآتية ترجمته في وفيات سنة ٦٠٧ من هذا الكتاب (طـ ٦١ الترجمة ٣٧٥)، والحُبَير بالحاء المهملة وبعدها الباء الموحدة قيده المنذري في التكملة (٢/ الترجمة ١١٧٨)، ووقع لقبه في المطبوع من ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ٢/ ٦٢: "صفي الدين"، والصواب ما ذكره الذهبي هنا ويعضده ما في الجامع المختصر لتاج الدين ابن الساعي ٩/ ٢٤٨ حيث جاء ذكره استطرادًا.
(٣) مرآة الزمان ٨/ ٥٠٠.