ولم يزالوا يستقصون في طلب الكرج إلى أن كادوا يفنونهم. ثمّ نازل تفليس وأخذها عنوةً؛ وكانت دار ملك الكرج، وقد أخذوها من المسلمين من سنة خمس عشرة وخمسمائة، وخرّبوا البلاد، وقهروا العباد، فاستأصلهم الله في هذا الوقت، ولكلّ أجلٍ كتاب.
[سنة أربع وعشرين وستمائة]
فيها جرت وقعة بين جلال الدّين الخوارزميّ وبين التتار، وكان بتوريز فجاءه الخبر أنّ التّتار قد قصدوا أصبهان، فجمع عسكره، وتهيّأ للملتقى؛ لكون أولاده وحرمه فيها، فلمّا وصلها، وأزاح علل الجند بما احتاجوا، جرّد منهم أربعة آلاف صوب الريّ ودامغان يزكاً، فكانت الأخبار ترد من جهتهم وهم يتقهقرون، والتّتار يتقدّمون، إلى أن جاءه اليزك، وأخبروه بما في عسكر التّتار من الأبطال المذكورين مثل باجي نويل، وباقو نويل، وأسر طغان، ووصلت التّتار، فنزلوا شرقيّ أصبهان. وكان المنجّمون أشاروا على السلطان جلال الدين بمصابرتهم ثلاثة أيام، والتقائهم في اليوم الرابع، فلزم المكان مرتقب اليوم الموعود، وكان أمراؤه وجيشه قد انزعجوا من التّتار، والسّلطان يتجلّد، ويظهر قوّة، ويشجّع أصحابه، ويسهل الخطب، ثمّ استحلفهم أن لا يهربوا، وحلف هو، وأحضر قاضي أصبهان ورئيسها وأمرهما بعرض الرّجّالة في السّلاح. فلمّا رأى التّتار تأخّر السّلطان عن الخروج إليهم، ظنّوا أنه امتلأ خوفاً، فجرّدوا ألفي فارس إلى الجبال يغارون ويجمعون ما يقوتهم مدّة الحصار، فدخلوا الجبال وتوسّطوها، فجهّز السّلطان وراءهم ثلاثة آلاف فارس، فأخذوا عليهم المضايق والمسالك، وواقعوهم، وقتلوا فيهم وأسروا. ثمّ خرج في اليوم الموعود، وعبّى جيشه للمصافّ، فلمّا تراءى الجمعان خذله أخوه غياث الدّين وفارقه بعسكره، فتبعه جهان بهلوان، لوحشةٍ حدثت له ذلك