للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رمضان انقضّ كوكبّ من المشرق ببغداد، فغلب ضوؤه على ضوء القمر وتقطع قِطعا.

وفي شوال أخرجت جنازة بنت أبي نوح الطبيب امرأة ابن إسرائيل كاتب الناصح أبي الهيجاء ومع الجنازة النوائح والطُّبولُ والزُّمور والرُّهْبان والصّلْبان والشُّموع. فأنكر هاشمي ذلك ورجم الجنازة، فوثب بعض غلمان الناصح فضربَ الهاشمي بدبوس فشجه، وهربوا بالجنازة إلى بَيْعة هناك، فتبِعَتْهم العامة، ونهبوا البيعة وما جاورها مِن دُور النصارى. وعاد ابن إسرائيل إلى داره، فهجموا عليه، فهربَ واستجار بمخدومه، وثارت الفتنة بين العامة وبين غلمان الناصح وزادت ورُفِعَتْ المصاحف في الأسواق، وغُلقت الجوامع، وقصد الناسُ دار الخليفة، فركب ذو السَّعادتين إلى دار الناصح، وترددت رسالة الخليفة بإنكار ذلك وطُلِبَ ابن إسرائيل، فامتنع الناصح من تسليمه، فغضب الخليفة وأمر بإصلاح الطيار (١) للخروج من البلد، وجمع الهاشميين في داره، واجتمعت العامة يوم الجمعة، وقصدوا دار الناصح، ودفعهم غلمانه عنها، فقُتل رجل قيل إنه علوي، فزادت الشناعة، وامتنع الناس من صلاة الجمعة، فظفرت العامة بقوم من النصارى فقتلوهم. ثم بعث الناصحُ ابن إسرائيل إلى دار الخلافة فسكن العامة، وأُلزِمت النصارى بالغيار (٢)، ثم أُطلِقَ ابن إسرائيل.

وفيها ألزم الحاكم صاحب مصر النصارى بحمل صلبان خَشب ذراع في ذراع في أعناقهم، وزن الصليب خمسة أرطال، وفي رقاب اليهود أكر خشب بهذا الوزن، فأسلم بسبب هذا الذُّلّ طائفة، ونهى الأمراء عن تقبيل الأرض وبوس اليد، ورسم أن يقتصروا على: السلام عليكم ورحمة الله. ولبس الصوف على جسده ورأسه، واقتصر على ركوب الحمار بغير حجاب ولا طرادين.

وفيها بعث محمود بن سُبُكْتكين كتابا إلى القادر بالله، قد ورد إليه من الحاكم صاحب مصر، يدعوه فيه إلى الطاعة والدخول في بيعته، وقد خرقه وبصق عليه.


(١) نوع من السفن السريعة، معروفة ببغداد آنذاك.
(٢) الغيار: بالكسر، علامة أهل الذمة كالزُّنار، ونحوه.