الدّين عمر، فردفه السّلطان برجال، فعطفت الفرنج نحو القلب، وحملوا حملة رجلٍ واحد، فانهزم المسلمون، وثبت بعضهم، فاستشهد جماعة، منهم الأمير مجلي، والظهير أخو الفقيه عيسى الهكاريّ، وكان متولّي بيت المقدس، والحاجب خليل الهكاري. ثم ساقوا إلى التل الذي عليه خيمة صلاح الدّين فقتلوا ونهبوا، وقتلوا شيخنا جمال الدّين ابن رواحة، وانحدروا إلى الجانب الآخر من التل، فوضعوا السيف فيمن لقوه، ثم رجعوا خوفًا أن ينقطعوا عن أصحابهم، فحملت ميسرة الإسلام عليهم فقاتلوهم، وتراجع كثيرٌ من القلب، فحمل بهم السّلطان في أقفية الفرنج وهم مشغولون بالميسرة، فأخذتهم سيوف الله من كل جانب، فلم يفلت منهم أحدٌ، بل قُتل أكثرهم، وأُسر الباقون، فيهم مقدَّم الداوية الذي كان السّلطان قد أسره وأطلقه، فقتله الآن. وكان عدة القتلى عشرة آلاف، فأمر بهم فأُلقوا في النهر الذي يشرب منه الفرنج. وكان أكثرهم من فرسان الفرنج.
قال القاضي ابن شداد: لقد رأيتهم يُلقون في النهر فحزرتُهم بدون سبعة آلاف.
قال غيره: وقُتل من المسلمين مائة وخمسون نفرًا، وكان من جملة الأسرى ثلاث نسوة إفرنجيات كنَّ يقاتلن على الخيل، وأما المنهزمون فبلغ بعضهم إلى دمشق، ومنهم من رجع إلى طبرية.
قال العماد الكاتب: العجب أن الذين ثبتوا نحو ألف ردّوا مائة ألف، وكان الواحد يقول: قتلت من الفرنج ثلاثين، قتلت أربعين، وجافت الأرض من نتن القتلى، وانحرفت الأمزجة وتمرّض صلاح الدّين، وحصل له قولنج كان يعتاده. فأشار الأمراء عليه بالانتقال من المنزلة، وترك مضايقة الفرنج، وأن يبعد عنهم، فإن رحلوا فقد كُفينا شرهم، وإن أقاموا عُدنا، وأيضًا فلو وقع إرجاف، يعني بوفاتك، لهلك الناس، فرحل إلى الخرُّوبة في رابع عشر رمضان.
وأخذت الفرنج في محاصرة عكا، وعملوا عليهم الخندق، وعملوا سورًا من تراب الخندق وجاءوا بما لم يكن في الحساب، واشتغل صلاح الدّين بمرضه، وتمكن الفرنج وعملوا ما أرادوا. وكان مَن بعكا يخرجون إليهم كل