للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم ويقاتلونهم، وفي نصف شوال وصل العادل بالمصريين، فقويت النفوس، وأحضر معه من آلات الحصار شيئًا كثيرًا. وجمع صلاح الدّين من الرجالة خلائق، وعزم على الزحف، وجاءه الأصطول المصري عليه الأمير لؤلؤ، وكان شهمًا، شجاعًا، خبيرًا بالبحر ميمون النقيبة، فوقع على بطسةٍ للفرنج فأخذها، وحوَّل ما فيها إلى عكا فسكنت نفوس أهلها وقوي جَنانهم (١).

قال: ودخل صفر من سنة ست وثمانين، فسمع الفرنج أن صلاح الدّين قد سار يتصيد، ورأوا اليزَك الذي عليهم قليلًا، فخرجوا من خندقهم على اليزك العصر، فحمي القتال إلى الليل وقُتل خلقٌ من الفريقين، وعاد الفرنج إلى سورهم، وجاءت السّلطان الأمدادُ، وذهب الشتاء فتقدم من الخروبة نحو عكا، فنزل بتل كيسان وقاتل الفرنج كل يوم وهم لا يسأمون، إلى أن قال: وافترقوا فرقتين، فرقة تقابله، وفرقة تقاتل عكا. ودام القتال ثمانية أيام متتابعة، ثم ساق قصة الأبراج الخشب التي يأتي خبرها، وقال: فكان يومًا مشهودًا لم ير الناس مثله، والمسلمون ينظرون ويفرحون، وقد أسفرت وجوههم بنصر الله.

إلى أن قال (٢):

ذكر وصول ملك الألمان إلى الشام

والألمان نوع من أكثر الفرنج عددًا وأشدهم بأسًا. وكان قد أزعجه أخذ بيت المقدس، فجمع العساكر وسار، فلما وصل إلى القسطنطينية عجز ملكها عن منعهم من العبور في بلاده، فساروا وعبروا خليج قسطنطينية، ومروا بمملكة قلج أرسلان، فثار بهم التركمان، فما زالوا يسايرونهم ويقتلون من انفرد ويسرقونهم. وكان الثلج كثيرًا فأهلكهم البرد والجوع، وماتت خيلهم لعدم العلف وشدة البرد، وتم عليهم شيء ما سمع بمثله. فلمّا قاربوا قونية خرج قطب الدين ملكشاه بن قلج أرسلان ليمنعهم، فلم يقو بهم، وكان قد حجر على والده، وتفرق أولاده، وغلب كل واحد على ناحية من بلاده. فنازلوا قونية وأرسلوا إلى قلج أرسلان هدية وقالوا: ما قصدُنا بلادك، وإنما قصدنا


(١) كله من الكامل ١٢/ ٤١.
(٢) الكامل ١٢/ ٤٨.