للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطنب في الثناء عليه: أيها القاضي، قد علمت أن الأمور قد ضاقت علي، وليس لي إلا حسن نظرك، وإصلاح الأمر بمالك، أو برأيك، أو بنفسك.

فقال: جميع ما أنا فيه من نعمتكم، ونحن نقدم أولًا الرأي والحيلة، ومتى احتيج إلى المال فهو بين يديك.

فوردت رسالة من العادل إلى القاضي الفاضل باستدعائه، ووقع الاتفاق.

وقد حكي عنه ما هو أبلغ من هذا، وهو أن عبد الكريم بن علي أخا القاضي الفاضل كان يتولى الجيزة زمانًا وحصل الأموال، فجرت بينه وبين الفاضل نبوة أوجبت اتضاعه عند الناس فعزل، وكان متزوجًا بابنة ابن ميسر، فانتقل بها إلى الإسكندرية، فضايقها وأساء عشرتها لسوء خلقه، فتوجه أبوها وأثبت عند قاضي الإسكندرية ضررها، وأنه قد حصرها في بيتٍ، فمضى القاضي بنفسه، ورام أن يفتح عليها فلم يقدر فأحضر نقابًا فنقب البيت وأخرجها ثم أمر بسد النقب، فهاج عبد الكريم وقصد الأمير فخر الدين جهاركس بالقاهرة، وقال: هذه خمسة آلاف دينار لك، وهذا أربعون ألف دينار للسلطان، وأولى قضاء الإسكندرية. فأخذ منه المال، واجتمع بالملك العزيز ليلًا، وأحضر له الذهب.

وحدثه، فسكت ثم قال: رد عليه المال، وقل له: إياك والعود إلى مثلها، فما كل ملك يكون عادلًا، فأنا ما أبيع أهل الإسكندرية بهذا المال.

قال جهاركس: فوجمت وظهر علي، فقال لي: أراك واجمًا، وأراك أخذت شيئًا على الوساطة. قلت: نعم. قال: كم أخذت؟ قلت: خمسة آلاف دينار. فقال: أعطاك ما لا تنتفع به إلا مرة، وأنا أعطيك في قبالته ما تنتفع به مرات.

ثم أخذ القلم ووقع لي بخطه بإطلاق جهةٍ تعرف طنبزة كنت أستغلها سبعة آلاف دينار.

قلت: وقد قصد دمشق وملكها، كما ذكرنا في الحوادث، وأنشأ بها المدرسة العزيزية. وكان السكة والخطبة باسمه بها وبحلب.

وخلف ولده الملك المنصور محمد بن عثمان، وهو ابن عشر، فأوصى له بالملك، وأن يكون مدبره الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي. وكان كبير الأسدية الأمير سيف الدين يازكوج، وبعضهم يغير يازكوج ويقول: أزكش، وكان سائر الأمراء

<<  <  ج: ص:  >  >>